سمير جعجع.. الطبع دائمًا لا التطبّع

يصرّ حزب القوات اللبنانية، الميليشيا المنحلّة سابقًا، والذي يرأسه المدان بجرائم مختلفة سمير جعجع، والمعفوّ عنه قضائيًا ذات لحظة سياسية مركّبة (على سبيل التذكير فقط)، على التفوّق على نفسه بابتداع أساليب تفرقة تتوافق مع الظرف، مع كلّ ظرف. وإن كان “حاجز البربارة” أسلوبًا في أيّام الحرب، فالبيانات ذات الطابع “المش هيّن” هي الأسلوب الجديد المتاح والذي يتوافق مع الظرف.

منذ بداية اشتداد الأزمة في لبنان، سعى جعجع كلّ سعيه لتحميل حزب الله مسؤولية الانهيار المعيشي في لبنان. وكان بُعيد كلّ خيبة من خيباته المتلاحقة، يخرج علينا بمؤتمر صحافي يوزّع فيه الاتهامات ويحمّل المسؤوليات، مصدّقًا أن بإمكان المدان قضائيًا أن يتحوّل إلى قاضٍ بالسياسة، يحاكم الجهات المعروفة بالشرف الرفيع ويحمّل المسؤوليات لمن يعلم أنّهم منزهون عن ارتكابات لا أحد يتقنها مثله.

حسنًا، اتهم حزب الله باحتكار المازوت. صحيح أن حبل الكذب قصير، لكن حبل القوات بالإضافة إلى قصره، هو “أوهن من بيت العنكبوت”.. أيام قليلة تكفلت بالكشف عن مخزون هائل يحتكره صقر، “القوّتجي العتيق”.

وقبل هذا، استخدم كلّ ما يمكن من أدبيات الاتهام السياسي في سبيل تحميل حزب الله مسؤولية كارثة انفجار النيترات في مرفأ بيروت، لتكشف تسريبات إعلامية وأمنية عن حمولة نيترات “تحمل نسبة الأزوت نفسها التي كانت في نيترات مرفأ بيروت” اشتراها أحدهم من مخازن تابعة لصقر “قوّتجي عتيق” أيضًا وأيضًا.

أمّا جديده، فبيان صريح وواضح ومباشر يدين فيه رئيس بلدية الفرزل لشكره حزب الله على هبة المازوت الإيراني، ويطالبه بسحب كلامه فورًا، من دون أدنى اعتبار لحاجات الناس التي احتكر صقره مازوتها وخزّنه بكميّات هائلة لدواعٍ لم تزل مجهولة. والدواعي المجهولة مشبوهة عادة.

في الحديث عن جعجع، يصعب تصنيفه بالخصم، فالخصومة تتطلّب حدًّا أدنى من المصداقية ومن الشرف ومن احترام الناس. إلّا أنّ الصيغة اللبنانية تفرض القبول بالمتناقضات جوهريًا تحت سقف الخصومة السياسية. وبناء عليه، لقد سقط الجعاجعة بالأمس كخصوم في لعبة الأعصاب. فكاتب البيان تسرّع حدّ الخروج عن الادعاءات التجميلية التي يفترض أن يتقنها السياسيون عادة، وصارح كلّ الناس بحقيقة مريبة هي مزيج من حقد ومن عداوة صريحة ضدّ “مكوّن لبناني” يقوم بمساعدة كلّ الناس دون منّة، وأكثر من ذلك، شوهد في المزيج كمّ هائل من الوقاحة يتمثّل بمطالبة الناس بعدم قبول المساعدة التي ساهمت “القوات اللبنانية” في التسبّب بحاجتهم إليها بداعي الحرص على كرامة أهل الفرزل. وهذه إهانة صريحة للناس، واستخفاف مشهود بعقولهم وبكرامتهم التي لم يصنها من يدّعي تمثيلهم. الترجمة الأولية للبيان تؤكد أن موقّعه كان يريد خنق الناس أكثر كي يوزّع عليهم فيما بعد “عيّنات” من المازوت مقابل صوت انتخابي أو “خدمات أخرى”.

لقد صارح الجعاجعة ناسهم بحقيقتهم في لحظة استعجال سبّبها التعب العصبي الذي ألمّ بحكيمهم حال رؤيته القوافل. لقد قالوا في بيان موجّه لرئيس بلدية الفرزل: نحن لا نريد لكم الكرامة ولا نرتضي لكم الأخلاق الوطنية، نريدكم أذلّاء في خدمتنا انتخابيًا، ونريدكم أن تبقوا رهائن مزاجنا الذي لا يريد لكم تحرّرًا ولا كرامة.

للوهلة الأولى حين الاطلاع على بيانهم، بدا وكأن الجعاجعة أهانوا بالأمس الناس، كلّ الناس، في لحظة عجز وغضب وخيبة توّجت مسار خيبتهم الطويل، إلّا أنّه بقليل من التفكّر، يتضح أنّهم لا يهينون سوى أنفسهم، مقرّين بهزيمة مشروعهم وغارقين في صدمتهم حدّ التظاهر بالنكران.

اساسيالقوات اللبنانيةحزب اللهسمير جعجعلبنان