يدور جدال في جنوب اليمن حيث الوجود العسكري والسياسي والاقتصادي المباشر لدول التحالف السعودي – الإماراتي، حول الجدوى من هذا الوجود، في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية وأمنية كارثية، ونقمة شعبية عارمة تُرجمت مؤخرًا بمظاهرات غاضبة طالبت برحيل السعودية والإمارات ووصفهتما بالمتحلين.
على مدى السنوات الماضية شاركت كل من السعودية والإمارات ومن ورائهما بريطانيا وأميركا، بتنفيذ قرار نقل البنك المركزي اليمني من العاصمة صنعاء إلى مدينة عدن، وتولّت السعودية الإشراف الكامل على إدارة الحرب الاقتصادية للضغط على حركة أنصار الله في صنعاء.
ومنذ مطلع العام 2017 وحتى اليوم، تستحوذ الرياض على إيرادات النفط اليمني التي تورد إلى حساب في البنك الأهلي السعودي خاضع لتوجيهات قيادة التحالف.
وتفيد مصادر اقتصادية بأن البنك السعودي يستقبل قرابة الملياري دولار سنوياً من مبيعات النفط لا تدخل في حساب الاحتياطي النقدي الأجنبي للبنك المركزي في عدن. كما تتهم المصادر التحالف بتدمير الحركة الملاحية لميناء عدن لصالح موانئ دبي واغلاق ميناء بلحاف النفطي بتواطؤ من حكومة هادي. يضاف إلى ذلك أن المصالح المشتركة جمعت مليشيات الانتقالي ومليشيات الإصلاح، في تلك المحافظات، لتقاسم ما تبقى من إيرادات عامة غير نفطية مع حكومة هادي.
ويجمع خبراء الاقتصاد في اليمن على ان السعودية والإمارات وقفتا وراء النكبة الاقتصادية التي يعيشها الشعب اليمني. وتحت ذريعة محاربة أنصار الله وتجفيف مصادر دخله، سيطرت دول التحالف على مصادر الدخل الأساسية من العملة الأجنبية التي تغذي الاقتصاد اليمني وتحافظ على استقرار العملة المحلية امام الدولار في السوق اليمنية، فدول التحالف لا تزال حتى اليوم تعيق عودة الصادرات اليمنية للخارج وتقف وراء العديد من الازمات ومنها ازمة الوقود التي أدت إلى تراجع الإنتاج المحلي وتمنع عشرات الآلاف من الصيادين اليمنيين من ممارسة أعمالهم في مساحات واسعة من السواحل اليمنية، يضاف إلى ذلك قيامها مؤخراً بالتنكيل بالمغتربين اليمنيين تحت مبررات متعددة في محاولة منها لضرب تحويلات المغتربين التي تمثل آخر وأهم مصدر من مصادر الدخل من العملة الأجنبية والتي تعد مصدرًا أساسيًا لأكثر من 25% من الأسر اليمنية.
خلال سنوات العدوان الماضية، استهدفت دول التحالف السعودي ـ الإماراتي البنية التحتية للاقتصاد اليمني في المحافظات الواقعة تحت سيطرة أنصار الله بشكل ممنهج، وشددت الحصار على الموانئ والمطارات ودمرت المنافذ البرية التي تربط محافظتي صعدة وحجة بجنوب المملكة بشكل كلي، فتسببت بأضرار اقتصادية فادحة تقدر بقرابة 100 مليار دولار، ولكنها فشلت في إيصال الوضع الاقتصادي إلى حالة الانهيار الشامل خلال العام الأول والثاني من العدوان والحصار. يعود ذلك إلى طبيعة الاقتصاد اليمني الهش وغير المنظم والذي تمكن من مقاومة صدمة الحرب والحصار، فاتجهت دول التحالف منذ منتصف 19 أيلول 2016، إلى شن حرب اقتصادية غير مباشرة نفذتها حكومة هادي وبنكها المركزي في عدن، فعقب نقل البنك من صنعاء والتزام حكومة هادي أمام الأمم المتحدة بصرف رواتب كل موظفي البلاد وحماية العملة من الانهيار، قطعت تلك الحكومة الرواتب على 800 الف موظف يمني يعيلون 4.6 مليون نسمة، وأعلنت نقل مراكز الوزارات ومعظم الخدمات التي تقدمها إلى مدينة عدن، ودعت الموظفين الجوعى في صنعاء إلى الثورة ضد أنصار الله والإسهام في إعادة هادي وحكومته إلى القصر الرئاسي، فقوبلت تلك الدعوات بالحفاظ على المؤسسات والوزارات من الانهيار. وتحت ذريعة محاربة أنصار الله طبعت حكومة هادي أكثر من 2.1 تريليون ريال بدون غطاء نقدي، فانهارت أسعار صرف العملة من 270 ريالًا للدولار الواحد في أيلول 2016 إلى 740 ريالًا أواخر العام 2019، فأقرت حكومة صنعاء وقف التعامل بالعملة المطبوعة خارج قواعد النقد واعتبرتها عملة مزورة لتحافظ على سعر الصرف والقيمة الشرائية للعملة القديمة المطبوعة قبل العدوان تحت سقف الـ 600 ريال، وتحت ذريعة إفشال هذا القرار عمدت حكومة هادي إلى طباعة قرابة الـ 600 مليار ريال بتاريخ قديم محاولة اختراق قرار منع العملة في صنعاء، وأعلنت بشكل رسمي في تموز الفائت تغيير العملة المطبوعة سابقاً بالعملة المشابهة للعملة المتداولة في صنعاء، وهو ما أدى إلى انهيار سعر صرف العملة وتجاوز سعر صرف الدولار الألف ريال يمني ليتسبب بارتفاعات قياسية في أسعار الغذاء والدواء والوقود.
ووسط رفض شعبي لقرارات بنك عدن وحكومة هادي الكارثية بررت الاخيرة اعتماد هذا النوع من العملة بمحاربة أنصار الله، في محاولة منها لتهدئة الشارع. لكن تلك المزاعم لم توقف التقلبات السعرية في الأسواق المحلية جنوب البلاد، فانتفض الشارع الجنوبي وخرج الجميع في ثورة جياع مطالبة برحيل دول التحالف وهادي وحكومته.