مجموعة صور منشورة عبر اعلام العدو كذكريات لجنود العدو من موقع تلة العويضة الاستراتيجي الذي يقع على تلة عالية تعرف باسم “النبي عويضة”. والتلة الشاهقة تجاور قرى كفركلا والعديسة ودير ميماس والطيبة وتطل على الشمال الفلسطيني المحتل بمستوطناته كافة. ومن جهة الداخل اللبناني تطل التلة على مجموعة من القرى التي كانت محتلة وصولاً الى كشف الكثير من المناطق التي كانت محررة إبان الاحتلال.
نظرًا لاستراتيجة تلة العويضة فقد كانت حتى العام 1975 من أهم مرابض المدفعية لدى الجيش اللبناني، وتقع في مرماها معظم قرى ومستوطنات الجليل ومدن الشمال الفلسطيني، وأهمها كريات شمونة وبرك سهل الحولة امتداداً حتى طبريا وفي العمق حتى هضبة الجولان.
كان العدو في بداية احتلاله “مرتاحاً” على وضعه كما يقال فكان جلّ اهتمامه منصباً على المواقع الامامية التي تؤمن الحماية للمنطقة المحتلة وشمالي فلسطين، وكانت تلك المواقع كافية لقصف المناطق المحررة والرد على هجمات المقاومة. لكن في وقت لاحق مع تطور العمل المقاوم وقدرة المقاومة على اختراق منطقة الشريط المحتل فقدت مواقع العدو وعملائه المتقدمة الكثير من مهامها، فكان لا بد للعدو من استحداث مواقع خلفية، وكان موقع العويضة واحدًا منها وأعطاه العدو، بادئ الامر، اسماً عبرياً وهو “موقع جبعون”، وهو اسم مستوحى من مدينة جبعون المذكورة في التوراة كمدينة كنعانية تقع الى شمال القدس. وفي وقت لاحق تم استبداله باسم “גלגלית/Galagalit” اي العربة ذات الدواليب، وليس بين أيدينا نص واضح يفسر هذه التسمية.
المهم أن العدو استحدث هذا الموقع الاستراتيجي موكلًا اليه المهام الأساسية من كشف المناطق المحتلة والمحررة واسناد المواقع الامامية المعادية، في الشقيف والشومرية وعلي الطاهر والدبشة وغيرها، في حال تعرضها لهجمات، وقصف المناطق المحررة واسعاف الاصابات في المواجهات وسحبها اليه تمهيداً لنقلها الى الداخل الفلسطيني.
وكان منوطًا به أيضًا دور “الوسيط” في عمليات تبديل الجنود بين المواقع الامامية وفلسطين المحتلة بسبب احتوائه على مهبط طيران مروحي وملاصقته للحدود الدولية ما يجعل الجنود المنقولين، ذهابًا وإيابًا بين المواقع الامامية وفلسطين المحتلة، عبر المروحيات، في مأمن من شبكات العبوات التي أتقنتها المقاومة وأربكت العدو وعملاءه وقضّت مضاجعهم.
تعرض الموقع لعدد من العمليات النوعية وسقط فيه قتلى للعدو في حرب المقاومة الاستنزافية، وشهد آخر عملية نوعية قبل بضعة اسابيع من تحقيق حلم التحرير والانتصار، وبالتحديد في الاول من شهر شباط من العام ٢٠٠٠ ويومها اعترف العدو بسقوط ثلاثة قتلى وعدد من الجرحى.
اذًا، بقي الموقع هدفًا حتى سقوطه عند الاندحار الصهيوني وتحقق انتصار لبنان، فكان “العويضة” من المواقع التي فجرها العدو قبل اخلائها لعدم قدرته على انقاذ محتوياتها والخوف من وقوعها غنائم بما تحوي من معدات وأسرار بيد المقاومين.
لم يكن التحرير خاتمة القصة في تلة النبي عويضة، بل شهدت هذه التلة صولات ومواجهات بطولية في حرب تموز 2006 بحيث ألقى العدو بثقله محاولًا السيطرة عليها نظرًا لأهميتها الاستراتيجية بغية تأمين المواقع المقابلة وتحقيق حلمه بالوصول الى الليطاني قبل وقف اطلاق النار، لكن المقاومة كانت له بالمرصاد وكبدته خسائر كبيرة، ورغم تقدمه نحو وادي النصر في وادي الحجير الا ان المقاومة بقيت تستنزفه في تلك التلة حتى وقف اطلاق النار ودخول الجيش اللبناني ليعيد تمركزه فيها بعد اكثر من ثلاثين عامًا من مغادرته للتلة.