دولة المقاومة التي ليست داخل الدولة

على غرار تحويل التهديدات إلى فرص، وهو ما أجادته المقاومة عبر تاريخها الحافل بالتهديدات والصمود والانتصارات، فإن الاتهامات والدعايات المضادة والأكاذيب يجب أن يتم تفنيدها، وتحويلها إلى حقائق، والمفاجأة هنا، أن هذا التفنيد يبرز القامة الحقيقية للمقاومة والتي تخرج عن مجال رؤية الكثير من الأقزام، وتعيد الاعتبار للقيمة الحقيقية التي يغفل الكثيرون عن تقديرها، وهو ما يحول هنا بالفعل تهديد التشويه والافتراء إلى فرصة لإبراز المقام الذي توارى خلف تواضع المقاومة.

والحدث الأبرز هنا والمتعلق بخطاب السيد نصر الله والذي ركز على الجانب الفني في توزيع الوقود الايراني، ثم دعوته لعدم الاحتفال حرصًا على السلامة وسلاسة الانجاز، وحرصه على عدم استفزاز الاخرين. وما يتزامن مع وصول قوافل الوقود لحل الازمة وانقاذ البلد من الانهيار، هو فرصة حقيقية لإلقاء الضوء على امكانيات المقاومة وقدراتها والتي تعادل قدرات دولة، رغم أنها لم تسع لتشكيل دولة داخل الدولة، كما يحاول الكثيرون الافتراء عليها.

ومصطلح “دولة داخل الدولة” هو مصطلح يطلق عادة للتشويه ولوصف حركات او مؤسسات تعاظمت قدراتها ووصلت لمستويات من النفوذ بحيث اصبحت تباري الدولة وتؤثر على توجهاتها وخياراتها وقراراتها للحفاظ على مصالحها الخاصة وتوسيع مجال مكاسبها الذاتية.

بينما وجدنا ظاهرة فريدة في لبنان، وهي ان المقاومة امتلكت امكانيات وقدرات دولة إلا أنها وظفتها لصالح الدولة وصيانتها، واقتطعت من مكاسبها الشخصية لصالح هذه الدولة!

وهنا حتى لا يتم اتهامنا بالمبالغة او الغلو، فإن الأمر بحاجة لمزيد من التوضيح:
الدولة علميًا هي مجموعة من المؤسسات والتي تتمتع بالسيادة والاعتراف، ولها شعب، ومقوماتها التي تؤهلها لهذا المصطلح تتبلور في رؤية للسياسة الداخلية والخارجية، وقدرة على تنفيذ هذه الرؤية لاخراجها من نطاق التوجهات والرؤى الفكرية الى نطاق الواقع العملي.

والفارق هنا بين الحزب والدولة، هو ان الحزب يسهم وفقًا لتوجهه في التأثير او المشاركة في قرار الدولة وفقًا لأسهمه في الحكومات، ووفقًا لطبيعة نظام الحكم ومدى تمتعه بالديمقراطية الحقيقة. بينما الدولة بيدها كافة الامكانيات والقدرات الكفيلة بالحفاظ على السيادة وادارة الشأن العام بمختلف مجالاته.

بالتأمل هنا، وخاصة في الظروف التي مر بها لبنان، فقد عجزت الدولة عن مواجهة الحصار وعن كسر قيود الهيمنة، ووصلت لمرحلة من الانهيار بما يهدد وجودها وسيادتها وأصبحت مؤسساتها عاجزة عن الحركة والفعل، بما يفقدها ابرز عناصرها التي تكسبها مفهوم الدولة.

وبتحرك المقاومة، تم انقاذ الدولة، حيث انبرت لكسر الحصار والهيمنة وحافظت على السيادة وقامت بالدور الغائب للمؤسسات، واهدت هذا الانجاز للدولة ولم تسع لمكسب شخصي.

وهنا تمتعت المقاومة بالقدرات التي تؤهلها لاكتساب مفهوم الدولة علميًا وعمليًا، حيث لها شعب يناصرها ويحترمها من جميع الطوائف، ولها قدرات تمكنها من حماية البلاد من الغزو والعدوان، وتمكنها من تنفيذ خيارها وتوجهها، ولها رؤية للسياسة الخارجية والداخلية.

فللمقاومة قدرات عسكرية لحماية كسر الهيمنة وحماية السيادة الوطنية، ولها داخليًا مؤسسات تستطيع القيام بالدور الغائب للدولة من حيث توفر قواعد البيانات الخاصة بالازمات وحلول ناجحة لمحاربة الاحتكار والفساد ووصول الدعم لمستحقيه، ورؤية للاقتصاد المقاوم القائم على الزراعة والانتاج وحتمية استخراج الموارد واستغلالها.

هنا اثبتت المقاومة بالفعل انها دولة، لكنها ليست “داخل الدولة” بالمعنى القبيح القائم على الاستقواء واستغلال النفوذ ‏لتحقيق المكاسب الشخصية، بل استغلال القدرات وتقديم الجهد والتضحيات للحفاظ على الدولة وحمايتها من الانهيار.

هذا يقودنا لتقييم مختلف، وهو أن الأمر لا يقتصر على مجرد التحلي بالمسؤولية الوطنية والصبر على الاذى مراعاة للصالح العام، ولا على الشجاعة والجرأة والبصيرة فقط. انما الأمر يصل لمفهوم التضحية بالحكم رغم امتلاك مؤهلاته لصالح السلم الأهلي وعدم الاستفزاز واحترام التنوع والتفرغ للعمل الجهادي.

نعم المقاومة تمتلك امكانيات الحكم لامتلاكها امكانيات الدولة، ولكنها لا ترغب به مراعاة لحساسيات واحقاد وتنوعات، وموروثات متعلقة بخصوصية لبنان، وهذه التضحية بالحكم، رغم ان الحكم ليس خطيئة، هي أمر عظيم بلحاظ ما نراه من قوى دمرت الاوطان بهدف الوصول للحكم رغم عدم اهليتها، واخرى دمرتها بهدف الحفاظ على كرسي الحكم دون شرعية ودون امتلاك رؤية وطنية او قدرات حقيقية سوى التفريط والخيانة.
هذه هي دولة المقاومة التي ليست داخل الدولة.

اساسيحزب اللهلبنان