داعش بربطات عنق

يعيش الاحتلال في فلسطين المحتلة أعمق أزماته على الإطلاق منذ 1948. لم يسبق أن انكشفت المنظومة الأمنية والسياسية التي عمل على تثبيتها كما تنكشف اليوم. بالطبع سيف القدس كان الشاطر المسنون الذي عجّل في بداية انهيار منظومته. في المقابل نشهد على تنامٍ نوعي لسلاح المقاومة في كل المحاور المعنية به، وعلى رأس التطور النوعي الذي تمّ إنجازه افتتاح عصر جديد من المواجهة يتمثَّل في تقنيات الدرونات التي سيكون لها دور كبير في أية مواجهة محتملة إضافة إلى قدرات جديدة في الرصد والتعقب الإلكتروني.

في السياسة أصبح واضحاً قرب كسر الحصار الاقتصادي الكامل عن الجمهورية الإسلامية في إيران بالتزامن مع الاتفاق التقني الذي تم توقيعه مع الوكالة الدولية ومع عودة مرتقبة للمفاوضات في فيينا. الشروط باتت واضحة وهي رفع كل العقوبات المفروضة على إيران ما سيتيح لها لعب دور إقليمي أوسَع وأشمَل على مستوى المنطقة بدءاً بما تمّ الاتفاق عليه مع العراق على مستوى فتح الحدود وإلغاء تأشيرات الدخول بين البلدين مروراً بالاتفاق الإستراتيجي مع الصين.

نحن على فالق جيوسياسي جديد في المنطقة، ولبنان يقطف اليوم ثمار صمود المقاومة وثباتها في دحر حصار اقتصادي دام أكثر من خمسة عشر عاماً. ما بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان ليس كما قبله. أميركا أغلقت فصل تدمير الاتحاد السوفياتي ثم فصل الغزو وتواجه اليوم فصل مواجهة المارد الصيني. انكفاؤها سيضع الكيان أمام احتمالات عديدة أخطرها إعادة خلط الأوراق عبر افتعال حرب جديدة. اللعب بنار هذا الاحتمال سيكون مدمّرًا له وسيتسبب بموجة هجرة معاكسة كانت قد بدأت منذ سنوات. إفراغ المستوطنات ستكون له تداعيات على استقراره الداخلي وسيؤلب ما تبقى من مستوطنين عليه.

الكيان محاصر في حدوده ووجوده اليوم، والأفعى تلسع عند محاصرتها والشعب الفلسطيني صار في أقرب نقطة تاريخية من استعادة فلسطين، كل فلسطين. من دواعي السخرية أن يتزامن هذا مع ذكرى توقيع اتفاق أوسلو، هذا الاتفاق الذي ظن العدو أنه بداية السلام الخانغ هو نفسه يتحول إلى بداية نهايته.

مرة جديدة يثبت أنَّ السلاح يحمي لبنان بكل مكوناته. سلاح المسيحيين قبل المسلمين. وإذا كان لا بد من طرح أي إستراتيجية دفاعية في لبنان فعلى قاعدة تثبيت هذا السلاح كسلاح إستراتيجي في المواجهة التاريخية.

يجب ألا نُسقط من أي حساب وطني وقومي استمرار مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يستند إلى ضرب المقومات الطائفية في بلدنا بعضها ببعض. هذا هو مكمن الخطر الحقيقي. لا بدّ لتفادي ذلك من العمل على مقاربة الانتخابات النيابية بكثير من الحذر. مليارات الدولارات صُرِفَت لنقل لبنان من حالة مقاوِمة إلى حالة مسالِمة ومطبّعة. سيقوى هذا المشروع مع اقتراب الاستحقاق الذي بدأت تباشيره مع صرف أموال طائلة على الدعاية والإعلان على الطرقات وفي وسائل الإعلام. وتماهي بعض الإعلام مع الحملة المذكورة يشير من دون أدنى شكّ إلى أن الداخل أخطر من الخارج. مقاربة خطره الداهم أكثر صعوبة من مواجهة الخطر الخارجي. وضع جوائز مالية لقاء معلومات عن مقاومين في لبنان يشجّع على الاقتتال الداخلي ويحفّز خلايا نائمة قد تستفيق. داعش نعم. الكيان نعم. مع إضافة دواعش جدد بربطات عنق هم أخطر من الخَطَرَين. خاصرة رخوة لبنانيًا ومن باب الطوارئ الوطنية الانكباب على مواجهته. ستتشكّل جبهات جديدة تحت هذا العنوان متستّرة بعبارات أخلاقية من قبيل السيادة والاستقلال والحياد والمؤتمرات الدولية. قطع الطريق عليها يتطلّب خلق جبهات أعرض وأمتن. ليس طبيعيًا ان ينتصر لبنان في المحور ويُهزَم من بعض أهل بيته. أشهر قليلة لصياغة هذه الجبهات لمواجهة المال والضمائر المباعَة بالنقد النادر. اليوم يبدأ مشوار الاستقلال الحقيقي وإلا..

اساسيداعشلبنان