صنعاء – موقع الناشر |
فشلت كافة الضغوط الأميركية والبريطانية في ثني حركة أنصار الله عن وقف تقدّمها صوب مدينة مأرب خلال الأشهر الفائتة، فالمعركة بالنسبة للحركة وطنية تمضي وفق خطط عسكرية مدروسة، وقرارها تحرير ما تبقى من مأرب شأن داخلي لا يقبل أي تدخلات خارجية.
خلال الأيام الماضية عاد التصعيد العسكري إلى محيط مدينة مأرب من ثلاثة محاور استراتيجية، كرد فعل على انتهاكات قوات موالية للرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، المسنودة بمليشيات حزب الإصلاح وعناصر تنظيم القاعدة وداعش، للهدنة غير المعلنة من قبل صنعاء بناء على طلب قبائل مأرب لغرض مناقشة مبادرة السلام التي قدمت من قبل قيادة حركة أنصار الله لقبائل مأرب لتجنيب المدينة ووادي عبيدة الخصيب ويلات الدمار.
وقد كثفت قوات الجيش واللجان الشعبية هجماتها في جبهتي رحبة والصدارة وسيطرت على مناطق واسعة جنوب المدينة وحققت تقدمًا محدودًا في الجبهة الشمالية الغربية الواقعة في تخوم المدينة، لتثير مخاوف واشنطن والرياض من سقوط آخر معاقل حكومة هادي الشكلية في مأرب كون مدينة مأرب ومنشأة النفط في المحافظة خاضعة لسيطرة مليشيات حزب الإصلاح منذ سنوات.
الخارجية الأميركية التي أعلنت مطلع تموز الماضي، أن “واشنطن سئمت من هجمات جماعة أنصار الله” في اليمن، وقالت إنها منزعجة من الهجمات في محافظة مأرب، وتوعّد في الشهر ذاته مبعوثها الخاص لدى اليمن تيم ليندر كينغ، بالعمل مع دول تحالف العدوان والمجتمع الدولي لعدم سقوط مدينة مأرب للحد من كارثة إنسانية حد زعمه، أقرّت مؤخراً بفشل جميع وسائل الضغط الأميركية المستخدمة لتركيع القوى المناهضة لها في صنعاء، وهو اعتراف تزامن مع عملية الردع الجوية التي نفذتها صنعاء ضد عدد من منشآت شركة أرامكو في عدد من مناطق المملكة العربية السعودية الأحد الماضي وتقدّم قوات صنعاء في جبهات مأرب.
المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية جيرالدين جريفيث، قالت في تصريحات صحفية الاثنين، إن الولايات المتحدة تبحث عن أدوات ضغط جديدة على “الحوثيين”، ولفتت إلى أن جميع أوراق التحالف والقوى الغربية نفدت للضغط على صنعاء، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة تبذل كل ما بوسعها لإنهاء الحرب، وهي اللغة نفسها التي تستخدمها واشنطن بين فترة وأخرى لحشد المزيد من التأييد الدولي لرؤيتها لوقف الحرب والتي يحملها المبعوث الأميركي الخاص لدى اليمن، ليندركينغ، الذي قدّم نفسه كمفاوض عن طرف العدوان يحمل مقترحات قاصرة لا ترمي للسلام بصلة كما وصفتها صنعاء.
خلال أكثر من لقاء جمع الوسيط العُماني بمبعوث إدارة بايدن التي سبق لها أن وعدت في شباط من العام الجاري بتكثيف “دبلوماسيتها لإنهاء الحرب في اليمن”، احتلت مأرب أوليات التحركات الأميركية التي قادها ليندر كينغ خلال الأشهر الماضية، فقد عرض وقف التقدّم صوب مدينة مأرب مقابل رفع الحصار عن مطار صنعاء وتخفيف بعض القيود المفروضة على الحركة الملاحية في ميناء الحديدة، وهي مقايضة رفضتها صنعاء عبر وفدها المفاوض في مسقط منتصف تموز الماضي، وسخر منها المجلس السياسي الأعلى بصنعاء حينها، ونتيجة فشل المفاوض الأميركي الجديد في فرض مقترحاته التي قدمها باسم السلام، طالب قيادة دول العدوان وحكومة هادي، خلال لقاءات أجراها في السعودية في تموز الماضي، بتسوية ساحة المعركة لنفاذ الضغوط الأميركية وتسهيل مهمة الديبلوماسية الأميركية في انتزاع نصر سياسي لم يتحقق على مدى سبع سنوات من الحرب. وبُعيد فشل محاولة الاختراق العسكري الذي قامت به قوات هادي في محافظة البيضاء الشهر الفائت، توعّد تيم ليندر كينغ باستخدام العديد من الأوراق الاقتصادية لثني صنعاء عن هجومها على مأرب.
مراقبون يرون أن سقوط مأرب بيد صنعاء، سيسقط آخر معاقل “الشرعية”، لكن هذا السقوط يعني سقوط خط الدفاع الأول عن الأجندات الاستعمارية الأميركية والبريطانية والإسرائيلية في جنوب اليمن، فواشنطن ترى في تحرير مدينة مأرب، بداية لتحول استراتيجي لحركة أنصار الله سيدفعها لاستكمال تحرير ما تبقى من محافظات محتلة في جنوب البلاد، وسيسهم في سيطرة الحركة على منابع النفط في صافر الواقعة شرق مدينة مأرب والحصول على موارد مالية بمليار و 800 مليون ريال يومياً، و54 مليار ريال إلى جانب مليارات الريالات من عائدات الضرائب والجمارك وعائدات كهرباء مارب الغازية، فضلاً عن أن الموقع الجغرافي والديموغرافي الاستراتيجي لمأرب التي تتوسط ثلاثة محافظات نفطية بين الجوف وشبوة وحضرموت، سيدفعها للسيطرة على تلك المحافظات والالتحام مع قبائل المهرة المناهضة للاحتلال الأجنبي شرق البلاد.