لعلّ أبرز ما ابتدعته “نسويّات” لبنان في الفترة الأخيرة كان التسطيح، وهو بالمناسبة أحد الأهداف الأساسية التي تناضل لأجلها ثلّة الأنجيأوزيّات اللّواتي ينشطن تحت غطاء الشعارات النسويّة والتي تدّعي المطالبة بحقوق المرأة. ويمكن أن تلمح في خطابهنّ العديد من الطروحات التي تشي بكونهنّ لم يمرّ ببالهنّ أنّه بالمعيار الإنساني، الفارق بين المرأة والرجل ليس فارقًا حقوقيًا، وأن تجزئة الحقوق تحت عناوين متفرقة كحقوق المرأة وحقوق الطفل وحقوق ذوي الشعر الأصهب وحقوق ذوات الخدود الممتلئة هي أول خطوة نحو إهدار الحقّ الإنساني والتفريط به.
إليكم مجموعة من المشاهدات التي حظيت فيها النسويّات بدور البطولة، على هامش الأزمة المعيشية الخانقة وتفشّي “كورونا”:
- في عزّ حال التأزّم، وحين كان الهمّ رابضًا فوق صدور العائلات حول كيفية البحث عن المستلزمات الطارئة والضرورية والحيوية، خرجت علينا النسويّات بحلقات بكاء حول “ذكورية الدعم” على اعتبار أن الدولة لم تخصّص دعمًا للسلع التي تستهلكها النساء بشكل خاص (وإن كانت من الكماليات). بدا انفصالهن عن الواقع، أو سعيهنّ لفصل النساء عن واقعهن مريبًا.. فدعم كافة السلع حقّ لكل المستهلكين، أما أن يُستثنى من أطروحات التباكي كلّ المصائب التي حلّت بنا كمستهلكين باتوا عاجزين تمامًا بمعيار القدرة الشرائية والتركيز على عدم دعم بعض السلع التي يمكن استبدالها ببدائل معقولة فهو أمرٌ لا يمكن إخراجه من إطاره الحقيقي وهو تسطيح المرأة وهمومها ودورها كانسان وكفرد في مجتمع يعاني غالبية أفراده من دون أي فرق في المعاناة بالمعيار الجندري.
- في حالة الحرب التي نعيشها، يُضطر المرء، العاقل، الواعي، المدرك لما يحدث حوله إلى تكييف حاجاته بحسب السقف الذي فرضته الأزمة.. ففي حرب تموز مثلًا، وبما أن الموضوع يتناول “النسويات” كمدعيات للنطق بلسان النساء، لم تتوقف نساؤنا لأخذ مقتنياتهنّ التجميلية معهن إلى وجهة النزوح. أخذن على عجل ما تيسّر وما يُصنّف في خانة “الضروري” جدًا. صحيح؟ في حالة الحرب اليوم، نجد أنّ أزمة بعض النسويّات تكمن في غلاء الأدوات والسلع التجميلية (كحقّ للمرأة لا ندري في أي شرعة حقوقية تمّ اقراره)، ويبلغ الأمر ببعضهن حدّ تهديدنا، نحن الشعب الذي لم ينتفض لأجل حقّها بالتجمّل بالهجرة نحو بلاد تحترم حقوقها كانسان يريد شراء حقن البوتوكس بسعر مقبول.
- في إطار الهجمة على كلّ ما يرتبط بثقافة المقاومة، من البنيان القيمي والأخلاقي إلى الالتزام الديني (الذي لا يحق لأحد فرضه أو منعه)، لم يكن مستغربًا أن تصبَّ النسويّات كلّ جهدهن في إطار ربط الالتزام بالقيمة الأخلاقية التي تعبّر عنها عائلات بيئة المقاومة بالتخلّف تارّة وطورًا بالتلميح إلى لاتحررية هذه العائلات، على اعتبار أن التعري والشتم واظهار كل ما يمكن لانعدام الأخلاق أن يؤدي إليه هي أفعال تحررية، بينما الالتزام الديني والتهذيب والسعي إلى ابراز محاسن التعاطي المؤدّب هي أفعال رجعية.. كلّ ذلك في خضم حرب تخاض ضد ثقافة ونهج حرّ حدّ الشهادة!.
- تنمو في الأزمات وفي الحروب الكثير من المشاكل الاجتماعية ذات الطابع الأخلاقي والقيمي. تزداد السرقات. تكثر الحوادث الأمنية. ترتفع وتيرة العنف داخل البيوت وخارجها. كلّ هذه العناوين لم تستوقف أنجيأوزيات النسوية، فما كان منهنّ إلا البحث جديًا في اعتبار إلقاء التحية عبر منصات التواصل الافتراضي هو تحرّش! أجل. هل يبدو الأمر كاريكاتوريًا؟ هو حقيقة حدثت منذ فترة قريبة. عمليًا لقد قمن بتسخيف وتسطيح جريمة التحرّش إلى حدّ إشعار المتحرشين الفعليين الخطرين بأنهم حالة شائعة ولا غرابة في تصرّفاتهم!
تبدو كلّ طروحاتهنّ على هذا القدر من السطحية. هل هنّ سطحيات أو ساعيات للتسطيح؟ ولماذا؟
نلتقي في الأسبوع القادم. إلى حينه، لا يجب أن ننسى أن المرأة إنسان لا ينقصه من الوعي شيء كي يقع ضحية التسطيح، مهما كان مبرّره، ومهما كان الشعار جاذبًا، وأن “النسوية” بشكلها الحالي هي تجريد للمرأة من إنسانيتها، وإن ببطء مدروس، ومشبوه، مشبوه جدًا.