كانت طريقة عمل هيرام عباس غير نمطية، فهو يعمل على اختراق التنظيمات الأرمنية عن طريق الأرمن المهاجرين من الأناضول حديثًا، وكان قبل ذلك يعمل على اختراق اليونانيين عن طريق الروم المهاجرين من الأناضول حديثًا. وشكل في بيروت مجموعة مسلحة كنوع من فرقة تدخل سريع صغيرة. تشكلت المجموعة، مهما كان تصديق هذا صعبًا، من أكراد قادمين من تركيا للعمل، عرفت لاحقًا باسم «مجموعة الماردينيين» لأن أغلب أفرادها ينحدرون من مدينة ماردين. وكان الشعار الذي يجمعهم هو «الأكراد قادمون». عن ذلك يروي الكاتب قولوغلو أنه تعرض في إحدى المرات لحصار مجموعة من الأرمن الغاضبين، في بيروت، وفجأة سمع شعار «الأكراد قادمون»، ورأى شبانًا ينقضون على المجموعة الأرمنية بالضرب المبرح حتى لم يبق منها أحد.
إضافة إلى ذلك كان هيرام عباس في تنسيق دائم مع كل من الاستخبارات المركزية الأميركية، والموساد الإسرائيلي، وسافاك الشاه الإيراني. وتنامت علاقته مع ضابط إسرائيلي كان سيصبح شهيرًا جدًا فيما بعد، هو رفائيل إيتان. أما في الطرف التركي فقد كان مرتاحًا لأن من يتولى المسؤولية عنه كان أحد أقرب أصدقائه بنفس الوقت، أشهر من تولى رئاسة العمليات في الاستخبارات الوطنية MİT، محمد أيمور. ومما ساهم في إجلاء الغموض عن تلك الفترة أن أيمور تحدث لاحقًا، وبعد خروجه إلى التقاعد، عن الكثير من نشاطاته علنًا. فقد كشف في مذكراته عن اسم «محمود الزين»، والذي قال إنه كان زعيم «مجموعة الماردينيين»، يعود بنسبه إلى إحدى العشائر في ماردين. مضيفًا أنه دخل السجن في ألمانيا، بعد ختام نشاطاته في بيروت، بسبب نشاطه في تجارة المخدرات. غير أن العائلة المذكورة نفت ادعاءاته.
كما تحدث أيمور، في إحدى المرات، عن إرساله شخصًا آخر ليساعد عباس في مهامه، إنه زعيم المافيا الأشهر علاء الدين جاقيجي، والذي نفذ كذلك مهمة اغتيال الناشط آغوب آغوبيان، زعيم «الجيش السري الأرمني لتحرير أرمينيا»، في أثينا. كان جاقيجي يستخدم اسم «أتيلا» كاسم مستعار، مستلهمًا الملك التركماني «أتيلا الهوني» الذي كان محاربًا فذًا أطلق عليه الأوروبيون لقب «سوط الله» لأنهم كانوا يعتبرون أنه عقاب مسلط من الله عليهم. على أن طبيعة عمل جاقيجي كانت مختلفة قليلًا عن عباس، فهو بالنهاية ليس موظفًا، ولا ضابطًا، بل هو أقرب إلى أن يكون مقاولًا؛ فهو ينفذ مهامّ معينة، قذرة طبعًا، خارج تركيا أحيانًا، وفي داخلها أحيانًا أخرى، ويتمكن بالمقابل من ممارسة «أعماله الخاصة» دون مضايقة قانونية. وتشمل هذه «الأعمال»، إضافة إلى تجارة المخدرات وتجارة السلاح غير الشرعي، فرض الخوات على عدد من الأثرياء، والتدخل بالقوة في المناقصات الكبيرة وضمان فوز أطراف معينين بها مقابل المال طبعًا. وقد قدر تقرير أمني مسرب، في العام الجاري، عدد أفراد عصابة جاقيجي حاليًا بـ428 رجلًا، بفارق كبير عن أقرب منافسيه سيدات بيكر. وكان قد خرج من السجن في نيسان من العام الفائت، وقبل ذلك قُدر حجم عصابته بـ337 رجلًا عندما كان لا يزال سجينًا. فهو تمكن بالتالي من تحقيق تقدم نوعي في حجم أعماله في غضون أشهر من إطلاق سراحه. ويبدو بالتالي أن الرئيس رجب طيب أردوغان قبلَ بإطلاق سراحه نزولًا عند رغبة شريكه الأول دولت باهجلي زعيم «حزب الحركة القومية» الفاشي، من أجل تأسيس ورعاية ميليشيا إجرامية جديدة قد يطلب منها، عند اللزوم، ضبط الشارع في حال قرر التمسك بالسلطة رغمًا عن نتائج الانتخابات.
مع مطلع السبعينيات، كان أمام الثنائي جاقيجي وعباس تحدٍّ جديد يضاف إلى الصراع المزمن مع الحركة القومية الأرمنية، وإلى مقتضيات التحالف مع كيان الاحتلال الصهيوني. ففي 1968 انفجرت موجة واسعة، وغير مسبوقة، من الاحتجاجات على زيارة للأسطول السادس الأميركي. وزاد من غضب الشبان اليساريين يومها أن الحكومة أعدت لافتات ترحيب بالأميركيين، بل وقامت بإعادة طلاء بيوت الدعارة القريبة من سواحل إسطنبول كي يأخذوا راحتهم فيها. وقاد الاحتجاجات جيل الشباب الجامعي اليساري الثائر. وبعد تعرضه للقمع الدموي، غادر الكثير من رموزه إلى سورية ولبنان للمشاركة في المعركة ضد الصهيونية، المعركة التي يعتبرونها مكملًا لمعركتهم الخاصة في تحرير بلادهم من ربقة التحكم الأطلسي.
برزت أسماء مثل دنيز غزميش (تشي غيفارا التركي) أحد قادة «جبهة التحرير الثوري»، وقد وصل إلى لبنان، وحمل السلاح إلى جانب الحركة الوطنية اللبنانية وحركة الكفاح المسلح الفلسطيني. بنفس الوقت كان شبان من «الجبهة الشعبية لتحرير تركيا» قد نفذوا عملية معاقبة السفير الصهيوني في أنقرة، إفراييم الروم، بالموت. وسرعان ما غادر رموزها كذلك إلى سورية ولبنان بعد مقتل قائدها ماهر تشايان. كانت مهمة الثنائي جاقيجي وعباس بالتالي مواجهة هؤلاء اليساريين، وتصفية ما أمكن منهم، قبل أن يعودوا إلى بلادهم وقد اكتسبوا خبرة العمل الحربي والكفاح المسلح.