سكوت المقاومة على الفساد في الماضي ليُسمح لها بالدفاع عن البلاد والأعراض هو دليل شرفها وعداوة الفساد لها، وهي بسكوتها لم تأمن شر الفاسدين في هجومهم اليومي عليها طوال عقود، فحاولت الامتناع عن الانجرار لمعركة الداخل، لكبح العدو الخارجي.
عبارة لكم فسادكم ولنا سلاحنا، عبارة قاصرة جدا ًعن التعبير عن الواقع، هي توحي بوجود توافق بين طرفين، لم يحصل بل هي محاولة اغلاق جبهة داخلية بصعوبة ورغم الاستدراج المتواصل خدمة لإسرائيل والتكفيريين من قبل حلفائهم في الداخل.
القصور الآخر في العبارة أنها توحي في شطرها الثاني أن المقاومة حازت مكتسبا ًهو السلاح، السلاح مكون جوهري وليس مكتسبًا للمقاومة، وهو عبء وسبب للاستهداف الدائم، وهو كذلك شعار للتضحية والبذل دون مقابل سياسي، لكم فسادكم وللوطن سلاحه، معنى مقبول.
بنفس الطريقة التي دمر الفساد فيها البلاد عن طريق النهب والتدويل المالي، كان يرغب في إسقاط المقاومة في مواجهات داخلية تشوه وجهتها وتستنزفها، وفي الوقت الذي كانت تخوض فيه معارك لم يكن يتوقع أحد انتصارها فيها، وتحتاج لبذل كل طاقة ولحظة وتركيز، كانت تواجه حرب الاستدراج اليومية والخناجر.
حاول رفيق الحريري شخصيًا شراء المقاومة وتوريطها في التلوث السياسي والمالي بطرق عديدة، ليبعدها عن الجبهة، لكنه واجه رفضا ًدائمًا، في حين أن المكتسبات المالية والسياسية المتوقعة كانت هائلة، لكن المقاومة ضحّت وتخلّت لأجل هدفها ورسالتها ولم تتورط، فهل هذا توافق مع الفساد أم تنزّه عنه؟
السكوت على الفساد للحفاظ على الوجود لم يكن بلا ثمن، بل قد اقتربت آثار الفساد من الحرب الوجودية، نتيجة الخراب الشامل، هنا بالتحديد يأتي دور المقاومة لتقديم تدريجي للبديل، دولة متوازنة في علاقاتها تشتري النفط بالعملة المحلية، وتستخرج نفطها وتبيعه دون اذن دوروثي مديرة الحصار.
استطاعت المقاومة أن تخوض مناورة استراتيجية مع الفساد، قائمة على أساس أخلاقي، فما بني على بازل سيتفكك يوما ًما، وحينها سيأتي دورها للقيام بالواجب تجاه أهلها في الداخل، لتقديم مدخل للتحرر الاقتصادي كما قدمت التحرير في الأرض والحماية للعرض.
المناورة منعت الاقتتال الداخلي، كما سمحت بمنع العدوان الخارجي الذي يستبيح كل شيء وصولًا للوضع المعيشي للفرد، فالعدوان الخارجي ليس معزولا ًعن برامج النهب، بل النهب هدف العدوان الأساسي، وتسمح المناورة الآن بتحرك اقتصادي جديد يوازن لبنان داخل نظام متعدد الأقطاب مشتت الهيمنة.