في خضم المواجهة المستمرة بين الولايات المتحدة وشعوب دول العالم الرافضة لسياسات الهيمنة والاستعمار التي تمارسها، برزت حركات وهيئات وكيانات شبابية وشعبية ترفع شعار مواجهة هذه السياسات بما أمكن من خطوات متاحة.
من هذه الكيانات، الحركة العالمية لمقاطعة البضائع الاميركية، والتي اثبت خلال مدة زمنية قصيرة فعالية كبيرة في توعية الشعوب وقيادة رأي عام مؤثر في مجال الدعوة إلى مقاطعة البضائع الأميركية.
في هذا الصدد، وجّه موقع الناشر مجموعة من الأسئلة إلى مدير الحركة العالمية لمقاطعة البضائع الأميركية – لبنان، علي باشا، في محاولة للإضاءة على الحركة وأهدافها ونشاطها.
من أنتم؟
نحن حركة مقاطعة شعبية مستقلة غير ربحية لا تتبع لدولة أو لحزب، تأسست سنة 2019 بمساهمة من مجموعات شبابية في عدد من دول العالم وتطمح إلى التوسّع في أكثر من دولة لمواجهة السياسات الأمريكية الاقتصادية التي تسعى إلى الهيمنة على الشّعوب ومقدّراتها والتحكّم في الأسواق الداخلية والإقليمية وفرض نمط الحياة الأمريكية عليها.
كيف بدأت فكرة المقاطعة؟
عبر التاريخ أثبتت المقاطعة فعاليتها في كثير من القضايا، فهي آلية للضغط على المؤسسات والشركات وحتى الحكومات. وبسبب الهيمنة الأمريكية وممارساتها المجحفة منذ عقود ضد كثير من البلدان خاصة الحصار الاقتصادي والعقوبات، وجدنا أنفسنا أمام واجب الدفاع عن أوطاننا، فكانت المقاطعة السبيل الذي اخترناه للتصدي لهذه الممارسات الوحشية الهادفة لإفقار الشعوب وتجويعها بالمرتبة الأولى.
من هنا اجتمعنا وتشاركت فرق شبابية عدة في دول مختلفة القرار بإطلاق حركة مقاطعة، خاصة أن هناك تجارب سبقتنا منها حملات مقاطعة للمنتجات (والنخب والأفكار) الإسرائيلية وغيرها أظهرت نجاحاً كبيراً في مراحل مختلفة وأكدت أنها أداة ضغط فعّالة يمكن استعمالها مرحلياً مع بعض المنتجات حين تكون هناك حرب أو هجوم أمريكي في بلد ما، أو دائماً باعتمادها سياسة عامة مع عدد معين من المنتجات حتى تتوقف الولايات المتحدة عن سلوكاتها.
ما أهداف الحركة؟
أهدافنا هي إضعاف الاقتصاد الأمريكي بالعمل على تقليص الصادرات والخدمات الأمريكية إلى العالم والتقليل من استخدام الدولار في العمليات التجارية كافة، وخلق وعي شعبي لدى شعوب العالم بثقافة المقاطعة بصفتها موقفاً إنسانياً أخلاقياً أكثر من كونها موقفاً سياسياً وتنميتها تدريجياً لتكون أداة ضغط ضد الهيمنة والجرائم الأمريكية.
وبما أن الاقتصاد شريان حياة للولايات المتحدة، نكون بالمقاطعة قد أثرنا في هذا الاقتصاد بطريقة أو بأخرى، ما قد يلفت نظر الحكومة الأمريكية لإعادة النظر في ممارساتها ضد الشعوب. وفي المرتبة الثانية نريد الضغط على الشعب الأمريكي الذي لا تعنيه سياسات حكومته الخارجية، بل ما يعنيه السياسات الداخلية خاصة تلك الاقتصادية. فإن استطعنا أن نؤثر في اقتصاد أمريكا بالمقاطعة، فذلك يساعد على نشر الوعي عند الشعب الأمريكي كي يعارض ممارسات حكومته الخارجية المجحفة التي تصل حد الإجرام خاصة أنها تجوع الشعوب. قد نستطيع أن نجر الشعب الأمريكي للضغط على حكومته لإحداث تغيير في السياسات الخارجية.
نحن بكل تأكيد لا نريد أن نضرّ شعباً على أفعال حكومته لكن يجب على هذا الشعب أن يعي آثار سياسات حكومته في بقية الشعوب. نحن أصلاً ننطلق من إيماننا بإنسانية الشعوب وأنهم يستطيعون تغيير مسار سياسات حكوماتهم من أجل أخيهم الانسان، خاصة أن الحكومة الأمريكية تضلل شعبها بإعلامها المنحاز وتجعله جاهلاً بكل المعاناة التي تتسبب فيه حول العالم.
ردود أفعال الناس حول الحركة…
تتباين ردود الأفعال عند الناس، فمنهم من يؤمن بأهداف الحركة لكن يرون أن تحقيقها أمر مستحيل، فهم لا يزالون يعيشون تحت تأثير الصورة الإعلامية المزيفه للولايات المتحدة على أنها «دولة عظمى لا يمكن هزيمتها أو الضغط عليها». هناك أصلاً من يحلق تحت الجناح الأمريكي وهذا النوع من الناس تهمه مصالح الأمريكين أكثر من بلاده. في المقابل هناك من يشاركنا الإيمان والحماسة ويسعى من تلقاء نفسه إلى تحقيق أهداف المقاطعة، وهؤلاء دوماً يسألوننا عن المنتجات الأمريكية، أو يطلبون أن نزودهم بلوائح المنتجات الأمريكية لمقاطعتها.
أياً تكن ردود الفعل هي تدفعنا إلى عمل مكثف سواء المؤيدة أو المنتقدة. المؤيد يبعث الأمل في مشروعنا والمنتقد يعلمنا البحث والتدقيق وإعادة الصياغة.
رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، ورحلة المقاطعة تبدأ بشخص متعاطف يمتنع عن شراء عبوة ببسي لأنه يؤمن أن الأرباح من هذه العبوة ستستخدم لإذلاله وإذلال وطنه. فمنذ انطلاقتنا عام 2019، وخلال بعض الحملات، ورغم ما واجهناه من ركود عام 2020 بسبب جائحة كورونا، نجد العديد من الناس لم يتوقفوا عند حد المقاطعة فقط، بل باتوا ينشرون هذه الثقافة ويحذرون أصدقاءهم وأقاربهم من شراء منتجات أمريكية.
إن إحداث تغيير ضد ثقافة مزيفة عمرها عشرات السنين وفكرتها أن “المنتجات الأمريكية هي الأفضل” سيأخذ جهد كبير ووقت، لكن “نفسنا طويل” ومصرون على أهدافنا، ومؤمنون بقضيتنا وأوطاننا.
لماذا الولايات المتحدة الأمريكية تحديداً؟
شئنا أم أبينا الإدارات الأمريكية المتعاقبة تسيطر على العالم بل تديره من أوروبا إلى آسيا إلى أفريقيا. الولايات المتحدة لا تكتفي بفرض العقوبات على الدول التي ترفض الخضوع لسيطرتها بل تضغط على كل الدول الخاضعة لإرادتها لتفرض العقوبات نفسها، فهي تضغط على أكبر الدول الأوروبية من بريطانيا إلى فرنسا إلى ألمانيا وغيرهم وتجبرهم على التصديق على معظم قراراتها. بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة تنفق مليارات الدولارات سنوياً في الحروب العسكرية والاقتصادية ودعم الجماعات المسلحة والإرهاب.
إذا اطلعنا على سياسة إدارات الولايات المتحدة الأمريكية المتعاقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية, سنجد أن الحروب التي شنها رؤساء الولايات المتحدة على آسيا وإفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط كانت من أجل الموارد الطبيعية، خاصة النفط والغاز. لقد حرمت الولايات المتحدة الملايين من الناس، ودمرت الأسواق المحلية، ودفعت البلدان إلى الإفلاس، ومولت الجماعات الإرهابية المتطرفة، وفرضت عقوبات وضبطت أسعار السلع الأساسية في جميع أنحاء العالم لتضخيم دولارها والسيطرة على المعاملات الدولية. إن مقدار المعاناة التي عانتها الشعوب كي تتمكن الولايات المتحدة من إشباع عقدتها بالتفوق الرأسمالي أمر محبط ولافت تاريخياً. لكل الدول الحق في تقرير المصير لكن الولايات المتحدة تعيق ذلك، ولذلك هي تحديداً اليوم وغداً.
أليست البضائع الأمريكية هي الأفضل من حيث الجودة؟
إن الماكينة الإعلامية الأمريكية، بالإضافة إلى وسائل الإعلام الخاضعة للهيمنة الأمريكية أو المتماشية معها، كرّست على مر السنين عملها لإقناع الشعوب بخدعة أن «أفضل منتج هو المنتج الأمريكي». حتى أن بعض الدول باتت تستورد منتجات مثل الفاكهة والخضار التي ترشها المزارع الأمريكية بمواد كيميائية مضرة لصحة الانسان ومسببة لأمراض السرطان أو معدلة وراثياً، في الوقت الذي توجد فيه الخضراوات والفواكه نفسها في الأسواق المحلية لتلك الدول. بسبب الدعاية الإعلامية الزائفة، بات من يقتني المنتج الأمريكي يتفاخر، بل يصل الحد إلى الشعور بأنه أعلى شأناً ممّن لا يشترون البضاعة الأمريكية خاصة أن تلك المنتجات أغلى سعراً من بدائلها لأنه يطبع عليها عبارة «صنع في أمريكا»!
الحقيقة أن كثيراً من المنتجات الأمريكية تصنّف أنها الأفضل تحتوي على مواد تضرّ بصحة الإنسان. حتى الإلكترونيات، على سبيل المثال «الآيفون» الأغلى سعراً في الأسواق وتدعي شركته المنتجة «آبل» أنه الأفضل، هذا الجهاز فيه الكثير من العيوب. توجد أمثلة كثيرة تخص منتجات أخرى كثيرة لكنها كلها تنتهي إلى الخلاصة نفسها، وهذا ليس معناه أنه لا توجد منتجات أمريكية عالية الجودة إطلاقاً، لكن هذا لا يعني أنها الأفضل دوماً وكلاً.