أميركا ليست قدرًا: صورة الانسحاب من أفغانستان في الإعلام ومراكز الدراسات الاميركية

فشلنا في فهم أننا لا نستطيع شراء إرادة القتال. لم نعترف بذلك في فيتنام، ولم نعترف به في أفغانستان. في حين أنه لم يكن هناك طريقة للخروج بصورة المنتصر، كان يجب علينا القيام بعمل أفضل في التخطيط للإخلاء المحتوم، فصورة الأفغان الذين تعلقوا بعجلة الطائرة المغادرة وسقوطهم ستلاحق الولايات المتحدة وستؤثر بما لا يقبل الشك على الامن القومي الأمريكي.

هكذا علق عدد من المحللين والباحثين الأميركيين عن الانسحاب من أفغانستان، فالصور الكثيرة القادمة من كابول وأبرزها صورة الطائرة الأميركية التي سقط منها لاعب المنتخب الأفغاني لكرة القدم زكي أنواري وطبيب الاسنان محمد فيدا بعد ان أقلعت غير آبهة بالحشود التي كانت تتحلق حولها على مدرج مطار حامد كرزاي ستحفر في ذاكرة الاجيال طويلًا، كما حفرت الصورة الشهيرة لسلم الطائرة الاميركية في سايغون.

تركزت الدراسات والتحليلات والمقالات في مراكز الأبحاث وكبريات الصحف حول أثر الصورة التي ظهر بها الانسحاب الأميركي من أفغانستان وسرعة انهيار الجيش الافغاني على الامن القومي الأميركي. كما أخذ الهاجس من مدى استفادة الصين وروسيا من الانسحاب الأميركي حيزًا من الاهتمام إضافة إلى الخوف من عودة أفغانستان لتكون قاعدة انطلاق لما تسميه الولايات المتحدة بالإرهاب او اندلاع حرب أهلية أفغانية وتدفق المهاجرين الأفغان نحو أوروبا.

  1. صورة الولايات المتحدة
    حازت صورة الولايات المتحدة على النسبة الأكبر من التحليلات والدراسات وتقديرات الوضع، حيث تم اعتبار أن ما حصل سيلحق الضرر بالأمن القومي الأميركي بشكل كبير، فأميركا من خلال طريقة الانسحاب وتداعياته قدمت البرهان لأعدائها في كل مكان من العالم ان هزيمتها ممكنة، كما أن التأثير الذي سيطال حلفاءها كبير جدًا، فثقة هؤلاء الحلفاء من أمثال دول الناتو، أو “إسرائيل”، أو تايوان، أو كوريا الجنوبية، أو اليابان اهتزت بالولايات المتحدة وأثرت بما لا يقبل الشك على صورتها كقائد للعالم، واصبح السؤال مشروعًا: “هل يشعر حلفاء الولايات المتحدة اليوم بالخوف من اللحظة التي ستتخلى الولايات المتحدة فيها عن حلفائها” كما فعلت مع الأفغان الذين عمل الكثير منهم مع الولايات المتحدة بضمانة مساندتها لهم، و”عندما قررت الانسحاب لأن كلفة البقاء اصبحت مرتفعة جدًا، فتخلت عمن عمل معها بسهولة ما يجعلهم يدفعون الثمن بسبب افتقار الولايات المتحدة الى الصبر الاستراتيجي”.

أُرجع سبب سرعة انهيار قوات الحكومة الافغانية الى ضعف ارادة القتال وتشتت القيادة السياسية للبلاد. لكن بعض الضباط والدبلوماسيين السابقين اعتبر انه آن الاوان للولايات المتحدة لأن تأخذ درسا مفاده انه لا يمكن شراء الارادة والعزم على القتال والمواجهة، كما يضيف البعض ان “الفساد الذي تغاضت عنه الولايات المتحدة في النظام الافغاني وفساد بعض جمعيات المجتمع المدني كان سببًا رئيسيًا في وهن جبهة الحكومة الافغانية وتقديم معلومات مغلوطة وغير دقيقة حول قوات النظام وقدرته على الصمود في وجه طالبان”.

رئيس اركان الجيش الأميركي مارك ميلي أرجع التقييمات الخاطئة بشأن الأوضاع الميدانية وتوازن القوى على الأرض في أفغانستان إلى “إخفاقات أجهزة الاستخبارات الأميركية، التي تلاقت مع إخفاقات صناع القرار في البلاد”، متوقعًا أن يكون لهذا الإخفاق الاستخباراتي تأثير كبير بعيد المدى على ثقة الداخل والخارج بتقييمات أجهزة الاستخبارات الامريكية.

  1. سيطرة طالبان واحتمالية عودة القاعدة
    سيطرة طالبان على افغانستان اثارت هاجسًا جوهريًا عند معظم الباحثين والمحللين: هل ستعود الحركات الجهادية وخصوصًا القاعدة للبروز من جديد، وبالتالي “هل ستعود افغانستان ارضًا للتدريب والاعداد وداعمًا ومنطلقًا للعمليات ضد الولايات المتحدة وحلفائها ومصالحها؟”.

ورغم ان الحركة تعهدت وبشكل علني ان لا تكون افغانستان منطلقًا مجددًا للحركات الجهادية، الا ان العديد من الباحثين شككوا في صدقهم، مؤكدين ان الحركات الجهادية حول العالم احتفلت بما اعتبرته انتصارًا على الشر، وبالتالي اعطت دفعًا جديدًا وقويًا لها، كما ان عقلية مقاتلي طالبان لن تتغير بهذه السهولة وهم الذين صمدوا عشرين عامًا ليعودوا اقوى.

ومع خسارة الولايات المتحدة تواجدها الميداني تضعف قدرتها الاستخبارية، وبالتالي هناك صعوبة في تحديد التهديدات الناشئة. لذلك لا بد من الضغط على حركة طالبان اقتصاديًا ودبلوماسيًا لقبول مشاركة الحكم مع باقي القوى الأفغانية لمحاولة التقليل من مخاوف عودة الحركات الجهادية أو نشوب حرب اهلية دامية نتيجة انفرادهم بالسلطة، ووجود قوى رافضة لوجودهم.

  1. العلاقة مع دول الجوار
    تتطلّع الصين للاستفادة من الموارد المعدنية الأفغانية، بما في ذلك الليثيوم الذي أظهرت بعض الدراسات ان الأراضي الأفغانية تحتوي ثروة منه، هذا المعدن الذي تقدر قيمته بترليون دولار، اضافة الى النحاس وعدد آخر من المعادن، وستسعى لبناء علاقات مستقرة مع الحركة لتحقيق الاستثمار الآمن في موارد افغانستان وتحقيق الامن على الحدود حيث تتواجد اقلية مسلمة (الإيغور).

أما على صعيد روسيا وإيران فقد قدمتا في السنوات الأخيرة الدعم للجماعة وأقامتا علاقات أوثق مع قيادتها بسبب الرغبة المتبادلة في دفع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي إلى خارج أفغانستان. ومن المرجح أن تحافظ موسكو وطهران على علاقة مثمرة مع النظام الجديد.

  1. تحدي اللاجئين الافغان والتداعيات الامنية والاقتصادية
    اخذ موضوع اللاجئين وتداعياته الامنية والاقتصادية حيزًا كبيرًا من النقاش، وتمت المطالبة باجراء تقييمات واقعية للمخاطر على دول الجوار عامة وعلى الاتحاد الاوروبي بشكل خاص، خاصة بعد تجربة اللاجئين من سوريا.

قبل أربعة أسابيع من سيطرة طالبان على كابول صرح الرئيس الأمريكي بأنه “لن يكون هناك ظرف في أفغانستان بحيث نرى مروحيات عسكرية أميركية تنقل موظفين أميركيين من فوق السفارة الأميركية في كابول”، في تذكير بأن الهزيمة الأميركية التي حدثت في فيتنام وعاصمتها سايغون عام 1975، لن تتكرر. لكن فقط بعد 4 أسابيع من ذلك التصريح، تكرر ذلك المشهد تفصيلًا فوق السفارة الأميركية في كابول ليؤكد من جديد أن صورة الولايات المتحدة كسرت وأن تقييمات استخباراتها الأمنية ليست منزلة والأهم أنها اثبتت مقولة لطالما رددها أستاذ تاريخ عاملي راحل: صحيح أن أميركا قادرة لكنها حتمًا ليست قدرًا.

اساسيافغانستانالصينالولايات المتحدةايرانروسياسايغونكابول