سفنُ التحدّي

تفصلنا أيام قليلة عن موعد وصول سفينة صون الكرامة الآتية إلينا من إيران، والمحمّلة بالمواد النفطية التي ترفع عن اللبنانيين كلّهم ذلّ الخضوع لإرادة المحاصر ولؤم المحتكر وطمع التاجر. وخلال هذه الأيام ستكون سفن ايرانية أخرى في طور انهاء استعدادتها للالتحاق بالسفينة الأولى، وكلّها كما الأولى، أرض لبنانية محمية بسلاح المقاومة، وهيبة محور الشّرف العظيم.

منذ اعلان السيد نصر الله عن انطلاقة السفينة الأولى، وبال المتأمركين كموج البحر لا يهدأ. تقاسموا الأدوار بيأس يكاد يثير الإشفاق وإن كانوا لا يستحقونه؛ هذا “محلّل” من فرط انهياره يتلو علينا ما يشبه الهلوسات الاقتصادية واضعًا نظريات في السياسات المالية ما مرّت بعقل ولا بحاسوب، وتلك “محطّة” تستدعي من عالم الخيال متحدّثين وتسمّيهم “أوساطًا نفطية دوليّة” توحي بأنّ مراسليها قد باشروا باستصراح اشباح تخرج من آبار النفط وحقول الغاز، وهنا جمهور يبدي رأيه المتخصّص بأن المازوت الإيراني ضار بالبيئة، وتجد أفراده يتناقشون ويبدعون للأمانة في سرد هذه الأضرار، الصحيحة بالمناسبة، مع الإشارة إلى كونها أضرارًا لا علاقة لها بجنسية المازوت ومصدره، وهذا ما غفل عنه جمهور ليس لديه مع إيران أي مشكلة سوى أنّها تعادي الدولة التي تستخدم زعيمه كأداة لها، فتراه تارة يقع مغشيًا عليه رافضًا الدواء الإيراني مفضّلًا الموت على استخدامه، محاضرًا في العلم والتفوّق الاطّلاعي، مسقطًا الحقيقة المثبتة التي تقول إن الصناعة الدوائية في ايران هي صناعة بمستويات عالمية.

وهناك، على خطّ عوكر، طابور من ساسة واعلاميين يبدعون في التنافس على شجب قدوم باخرة التحرّر الاقتصادي، وفي المبارزة على تقديم ما يسيء إلى العقل أولًا، وإلى مفهوم السيادة بكل الدرجات، وقبل هذا كلّه، أبدع أولئك الذين منذ اللحظة الأولى تغامزوا وقد عرفوا السرّ الخطير المخفيّ: لا بد أن أميركا سمحت بذلك، ولو لم تسمح به أميركا ما كان ليكون.

هؤلاء المساكين بلغ بهم التأمرك حدّ العمى الفعلي عن كلّ هزائم أسيادهم في المنطقة وسائر الكوكب. عقلهم المرتهن يرفض استيعاب حقيقة أن سيّدهم الأبيض صاحب البطولة الخارقة، “رامبو” زمانه وكلّ زمان، “سوبرمان” عصره وكلّ العصور، ذا المسدّس المحشوّ دائمًا والذي لا تنفد طلقاته، قد يخسر، أو قد يعجز عن منع ما لا يناسبه من الحدوث، يرون فيه آمرًا ناهيًا لا يمكن لحدث إلّا وأن يكون مثلهم خاضعًا لموافقته، وبلغ ببعضهم هذا المرض حدّ القول إنّ السفينة دليل مؤامرة أميركية – إيرانية ضد مشروع الدولة المستقلة في لبنان.

كثرت الأقاويل حول تلك المصانة العابرة للحدود وللتحديات وللحصار وللأحقاد المذابة في المسافات الفاصلة بين لبنان وإيران. ولأن واثق الخطوة يمشي ملكًا، نبصرها من هنا تعبر الأمواج غير آبهة بل ورافعة أشرعة التحدي متسائلة عمّن يتجرّأ على اعتراضها وهي تنساب حرّة قويّة أمام الأعين الذليلة المرتهنة للتطبيع والحدود المقيّدة لذلّ الاتفاقيات مع العدو.

مسارُ هذه السفينة وما سيليها من السّفن ليس مسارًا جغرافيًا فقط تحدّده الطرق البحرية، وليس مسارًا اقتصاديًا فقط يحكمه سوق العرض والطلب وتفرضه الحاجة وتحدّده قواعد التجارة والتبادل، هو أيضًا مسار انساني اخلاقي، كلّ من التزمه وفهمه سيصل حتمًا إلى برّ الحرية، وكلّ من عانده سقط، إلى الأبد، عبدًا يُباع ويشرى في سوق النخاسة الأميركية، وما يتفرع منه في مختلف البلدان.

نحن أهل هذه السفينة، ومن على متنها الطاهر المصان المعزّز بالكرامة، نخبر الجميع، من ينتظرها مستبشرًا بعد صبر أو ممتعضًا على اثر خيبة، أنّ باكورة التحرّر من ذلّ الحاجة إلى المشتقات النفطية الملوّثة بمزاج أميركا وأدواتها قريبة جدًا من دخول حيّز دورتنا المعيشية، ومن التحق بها فقد نجا، ومن أصرّ على رميها بحجارة أوهامه، فلا نجاة له إلا بكوب يانسون دافىء قبل النوم، عسى غفوة هادئة تخفّف عنه ثقل أوجاعه، فليس سهلًا وجع أن تشهد هزيمتك واضحة ظاهرة ضخمة كسفينة لا يتجرأ على اعتراض مسارها أحد.

اساسيالسيد نصر اللهايرانحزب اللهلبنان