الأساتذة والطلاب والعام الدراسيّ المنتظَر

“العلم سلاح” هي مقولة مخلّدة قالها أحدهم يومًا معوّلًا على العلم والتربية لبناء المجتمعات والحضارات والأُمم، لكنّ قائلها لم يكن يعلم بالوضع الراهن في لبنان، فلو علم بحالنا اليوم لكان قد استثنى لبنان من مقولته… ففي هذا البلد النامي، ذي الـ ١٠٤٥٢ كلم مربّع مساحةً، يفتقد الطالب اللبناني لرصاص حربه التعليمية التي قد تخوّله يومًا خوض حرب دامية في وجه الجهل بسلاح علمه.

لم تقتصر مشاكل اللبنانيين في السنوات القليلة الماضية على اندلاع تحركات شعبية واسعة، واستقالة حكومة وصعوبة تشكيل أُخرى، وارتفاع سعر صرف العملة الوطنية مقابل الدولار، والوضع المعيشي والاقتصادي المُزريين فحسب، بل عانت العائلات اللّبنانية مشكلةً أخرى تكاد لا تنفصل عن المشاكل المذكورة سابقًا لأنها تفصيلٌ أساس وسببٌ ونتيجة في آنٍ معًا.

مرّ العامان الماضيان في القطاع التعليمي بصعوبة قاتلة، فالكثير من العائلات اللبنانية لم تقدر على تأمين احتياجاتها من الكتب والقرطاسية والزي المدرسي، بالإضافة إلى الإنترنت والأجهزة الالكترونية للدراسة أونلاين في ظل جائحة كورونا وإغلاق أبواب المدارس والجامعات. ارتفعت الصرخات وزادت المعاناة خاصّة في ظل انعدام مقومات الحياة الأساسية التي تتمثل أوّلًا بتأمين رواتب وأجور كريمة تكفي لتأمين احتياجات أفرادها ومن يعوّلون عليهم.

أما اليوم، فالكارثة أعظم… ففي ظل غياب مادة البنزين والكهرباء، وتردّي أوضاع الناس المعيشية، وعجز الدولة عن تأمين رواتب الأساتذة والمعلمين، كيف سيكون العام الدراسي القادم بشقيّه الحضوري أو الافتراضي؟

تواترت الأخبار في الأيام القليلة الماضية أنه وبعد المشاورات مع مجالس الطلاب والنقابات ووزارة التربية والتعليم العالي والجهات المختصّة، جرى الاتفاق مبدئيًا على عام جديد حضوريّ، فالعلم لا ينتظر وباء ولا مالًا، كما يقولون، وما يذهب منه لا يُعوّض… إنه سلاحنا الذي نعجز عن تحصيله في دولتنا العاجزة هذه. وبفي ظل التسريبات التي ننتظر تأكيد صحّتها في المؤتمر الصحافي اليوم، علت أصوات الأهالي وعادت تساؤلاتهم وهواجسهم إلى الساحة.

يقف اللبناني منا هنا، لساعات، في طابور الذلّ، صارفًا ما يقارب الـ٢٠ لترًا من البنزين خلال انتظاره، ليذهب بما يؤمنه من الليترات إلى عمله الذي يبلغ معدل راتبه فيه ما يقل عن الحدّ الأدنى للأجور. فهل يتمكن هذا الأخير من تأمين مستلزمات أولاده الدراسية في ظل هذه الكارثة المعيشية؟

يعيش اللبناني اليوم هواجس عدّة محضّرًا نفسه اقتصاديًّا ونفسيًّا للعام الدراسي الجديد. يحتاج المواطن اللبناني منا، إن كان نصيبه من الدنيا ولدًا واحدًا، حوالي الخمسة ملايين ليرة لبنانية إن شملنا القسط المدرسي بحدّه الأدنى والنقل والقرطاسية. أما مصروف المأكل والمشرب، فحدّث ولا حرج… إذ يحتاج الولد الواحد شهريًّا لحوالي ١١٠ الاف ل.ل. إن كان مصروفه اليومي بحدود الـ ٥ آلاف ليرة لبنانية. فاحتسب عزيزي المواطن اللبناني نسبة هذه النفقات من مدخولك الشهري، لتعلم حجم الكارثة.

هذا إن كان التعليم حضوريًّا، فكيف إن كان “أونلاين”؟
تغيب التغذية الكهربائية للدولة في لبنان خلال الـ ٢٤ ساعة ما يقارب الـ ١٨ ساعة، أمّا اشتراك الكهرباء، فيمدّنا أصحابه المحتكرون بساعات قليلة منها في خلال الليل… فكيف سيتمكن الطالب من متابعة دراسته في النهار؟
وفي حال توفّرت الكهرباء، هل سيتمكن رب المنزل من تأمين الجهاز الخليوي للدراسة والذي يبلغ سعر أرخص أنواعه حوالي المليوني ليرة لبنانية وخاصّة مع اشتراك الانترنت؟

أما الأساتذة الأعزاء، فلم تعد رواتبهم تكفي لتأمين ما يحتاجونه من قوام الحياة الأساسية بسبب فقدانها قيمتها تزامنًا مع الارتفاع الخيالي لسعر الصرف. أمّا بعضهم الآخر الذي يعمل في القطاع الخاص، فقد اقتُطع جزءٌ من رواتبهم بحجّة التعليم أونلاين… فهل سيتمكن هؤلاء، وغيرهم ممّن يتقاضى أجر عمله على الساعة، من تأمين مادة البنزين المفقودة من محطات الوقود للانطلاق بآليته المتواضعة إلى مراكز التعليم؟ هذا ولم نذكر ما تحتاجه هذه المراكز من مادّة المازوت الأوليّة لتأمين تدفئة الطلاب والأساتذة مع حلول فصل الشتاء وخاصّةً في المناطق الجبلية والبقاعية شديدة البرودة…

نتساءل جميعًا، ويعيش الأهالي في هواجسهم عاجزين عن تأمين احتياجات أبنائهم التعليمية من جهة، وقلقين على مستقبلهم من جهةٍ أُخرى، فهل من حريصٍ على صحّة ومستقبل هؤلاء؟
لنرَ…

اساسيالعام الدراسيلبنان