ماذا يعني شعار “إن معي لبصيرتي”؟

ربما ما أعلنه والتزم به حزب الله من صبر استراتيجي، بحاجة إلى توضيحات للأعداء وللأنصار، حيث يساء التقدير دومًا عندما تتحكم المعايير الأخلاقية في السياسة.

فمن طرف الأعداء يسيئون التقدير باعتبارهم غير معتادين على هكذا معايير، فيفهم الصبر على أنه ضعف أو انتظار تعليمات خارجية أو ترقب لما ستسفر عنه مفاوضات ما، لاعتيادهم على التعامل مع انظمة تابعة مرتهنة، ويبدو أنهم لم يتعلموا بعد من دروس مواجهاتهم مع المقاومة وتجاربهم معها.

وعلى مستوى أنصار المقاومة، ربما لا تتضح بعض الأمور لبعض القطاعات، بسبب تراكم الحوادث وتسارعها وزيادة الضغوط، مما يتطلب بعض الشروحات من جانب القيادات التي تمتلك معطيات ومعلومات قد لا تتوفر للجميع.

والحقيقة أن قيادات الحزب وعلى رأسهم السيد نصر الله، لم يقصروا، وقد أفاض السيد في التوضيح وضرب الأمثلة وبيان التكليفات السياسية والشرعية، وبيان فساد بعض الاسقاطات الدينية على الواقع، كما فتح المجال للنقد والرأي مع الالتزام بالضوابط، موضحًا أن القيود على المسؤولين أكبر بكثير من الجماهير، وذلك من منطلق مسؤولية القرار، ودعا الجماهير إلى التحلي بالمسؤولية بقدر طاقتهم من منطلق البصيرة.

وهنا فإن البصيرة هي عامل محوري في التزام جمهور المقاومة وصموده أمام اختبار لا ينكر أحد قسوته وصعوبته، وهنا نرى أن البصيرة وتحديدًا شعار “إن معي لبصيرتي” بحاجة لإلقاء المزيد من الأضواء، وذلك في اتجاهين، أولهما، أعداء المقاومة، وثانيهما للأنصار والأحرار من بيئة المقاومة في الداخل اللبناني وفي الخارج من جميع الشعوب المؤمنة والداعمة للمقاومة:

أولًا: ما يجب أن يفهمه أعداء المقاومة:
الصبر ليس ضعفًا، فقد أبدت المقاومة استعدادها لمواجهة العدو الصهيوني والوصول معه لأي سقف تصعيدي يحاول العدو الوصول إليه، وأبدت جهوزية لكافة الانزلاقات، في الوقت الذي كظمت فيه غيظها وسيطرت على انفعالاتها أمام تطاول ثلة من عصابات الداخل، لا تقارن المواجهة معهم بالمواجهة مع العدو الصهيوني وأميركا التي لن تتركه وحيدًا!

وهنا يجب أن يعي اعداء المقاومة في الخارج وفي الداخل أيضًا أن البصيرة تحدد بوصلة الحزب وتحدد عدوه الأصيل ومعركته الرئيسية التي ينشغل بها ويعد عدته لها، وهذه البصيرة تقي المقاومة من الخلط والاستهلاك والوقوع في الفخاخ، وأن المصلحة التي تقود للصبر قد تقود للغضب ولكن باتجاهه الصحيح وفي مجراه الرئيسي لا الفرعي مع الوكلاء.

كما أن البصيرة تقود إلى تحديد المديات التي يمكن تحملها وتمريرها، وتضع حدودًا لما لا يمكن تمريره، كما تقود لوضع خطوط حمراء دقيقة، بحيث يصبح تكرار ما تم تمريره خطًا أحمر لا يقبل التكرار والتمرير مرة أخرى.

ثانيًا: ما يجب أن يتضح لأنصار المقاومة:
هناك فخاخ دولية وإقليمية وداخلية يراد للمقاومة الوقوع بها، وتفويت الفرص على الاعداء يؤلمهم كما يؤلم الأنصار، فيما يهنأ الأنصار بالشرف الذي لا يتمتع به هؤلاء.

وليست البصيرة مرادفًا للصبر والتحمل فقط، وإنما هي مرادف لاتخاذ القرار المناسب وفقًا للظروف والمعطيات، فقد تصبح مرادفًا لثورة عارمة عندما تتطلب الأمور هذا الخيار.
وهنا من المهم الالتفات لشعار “إن معي لبصيرتي”، فهو جزء من خطبة للامام علي تقول: (أَلاَ وَإِنَّ اَلشَّيْطَانَ قَدْ جَمَعَ حِزْبَهُ وَاِسْتَجْلَبَ خَيْلَهُ وَرَجِلَهُ وَإِنَّ مَعِي لَبَصِيرَتِي مَا لَبَّسْتُ عَلَى نَفْسِي وَلاَ لُبِّسَ عَلَيَّ وَاَيْمُ اَللَّهِ لَأُفْرِطَنَّ لَهُمْ حَوْضًا أَنَا مَاتِحُهُ لاَ يَصْدُرُونَ عَنْهُ وَلاَ يَعُودُونَ إِلَيْهِ).

وبالتالي فمن يتهم الحزب بالتخاذل أو المبالغة في التسامح على حساب كرامة المقاومة أو يطالبه بمواقف اكثر عنفًا وشدة، فعليه أن يتأمل كامل كلام الامام علي، ليدرك معنى الشعار وما يحمله من أبعاد أخرى:

فالامام علي ببصيرته واجه شياطين الانس بما جمعوه له من عدد وعدة، ولم يفقد بوصلته ولم يقع في اي التباسات، وأقسم انه سيجعلهم يلعبون في ملعبه الذي هو أكبر خبرائه، ومن اقترب منه هلك، ومن كتبت له النجاة فلن يكررها مرة أخرى.

هنا البصيرة هي القائد لتشخيص المصلحة تشخيصًا دقيقًا دون خلط والتباس، وهي القائد لاتخاذ القرار المناسب وفقًا للمعطيات والمعلومات، وهي ضمانة النصر وهزيمة وتأديب كل من يقترب من المقاومة بسوء وعدوان.

اساسيالمقاومة