“لبيك يا حسين” بعد مئات السنين

عندما توجّه الحسين نحو كربلاء كان ذهابه تلبية لدعوة أهل الكوفة التي أرسلت له ما يزيد عن ١٤ ألف كتاب، تدعوه فيها للمجيء ونصرة أهلها لهدم سلطان يزيد وبناء دولة الحق بخلافة ابن بنت رسول اللّه.

كانت معركة كربلاء معركة قيَم، فبقاء الحسين كان مشروطًا بالتسليم لواقع البلاد ومبايعة أهل الباطل والرضا بحكمهم وسياساتهم الظالمة. اقتضى النصر حينها أن يكون الحسين ذبيحًا لله مع أهله وأصحابه من أجل نصرة دين الله واستمرار رسالة رسوله. وكانت الشهادة خيرَ نصرٍ للدين. كانت الشهادة حينها مسبّبًا للانتصار، وكذلك نتيجةً لمواجهة الباطل. كذلك اليوم، تُبذل النفس وتُسفك الدماء وماء الوجه كوسيلة للوصول إلى الانتصار المُرتجى في وجه الظالمين.

لقد كانت نقطة الفصل حينها حيث وقف الحسين وحيدًا بعد استشهاد أهل بيته وأصحابه، في صحراء كربلاء، مناديًا “ألا من ناصر ينصرنا؟”…

إن الحسين كان يعلم علم اليقين بحتمية استشهاده، قبل توجّهه إلى كربلاء، بل منذ ولادته وحتى قبلها حيث بكاه جده رسول الله (ص) شهيدًا مظلومًا وهو في رحم الزهراء (ع)..

فالحسين يعلم أن الشهادة آتية لا محال، فشهادته وعد الله، وأنه سيسقط شهيدًا للّه والدين ولو لبّى نداءه حينها سامعو الصوت…
لكن نداء الحسين لم يكن “نداءً لنجاة أهل زمانه”…
ففي العاشر من محرم عندما صاح الحسين ألا من ناصرٍ ينصرنا، لم يصح طلبًا لنجاة شخصه وأهل بيته، فالموت خُطّ على الحسين وآله مخطّ القلادة على جيد الفتاة، لكنه نادى منذ مئات السنين عمن ينصر دين محمد (ص) حينها واليوم وفي المستقبل لتكون التلبية في كل معركة ضد الباطل لنصرة الحق في مختلف الأزمان وأحلك الظروف وأكثر الأماكن وحشة

لقد صاح ألا من ناصر ينصرنا لنجيبه نحن اليوم؛ بَلى، كُلنا مناصرون لك، جاهزون وحاضرون لبذل الأنفس وماء الوجه والمال والبيت والأولاد والمُهَج في سبيل دينك ورسالتك وفي سبيل نصرة الحق الذي حُزّ نحرك الطاهر لأجله ولاستمرار الرسالة التي سُبيت النساء فداءً لها.

وقد كان نصر حرب تموز ٢٠٠٦ خيرَ تلبيةٍ لنداء “ألا من ناصر ينصرنا” فبعد آلاف السنين، عاد يزيدٌ جديد بهيئةٍ جديدة وسُمع نداء الحسين من كربلاء لنصرة الحقّ، فأجابه رجالنا من هنا، من لبنان وضاحيته الجنوبية “لبّيك”…
فقاتلنا وقاومنا وانتصرنا…
لبّينا نداء الحسين(ع)…
فكان نصر تموز أحد أوجه مناصرة الحق وإفشال مخططات الباطل.

هنا في لبنان، لُبيّ نداء الحسين، حيث حوصر أصحابه الموالون لدين جده ونهج أبيه لرفضهم الانصياع للعدو الأطغى والأكثر غطرسةً في العالم، العدو الإسرائيلي اليزيدي قاتل النفس المحترمة.

هنا اختار أحباب الحسين، من قادة ومجاهدين وبيئة صادقة ألا يتخذوا الليل جملًا، فجاهدوا كمسلمٍ وعابس وجون، ولم نرَ بيئة أكثر وفاءً من بيئتنا، تمامًا كأصحاب الحسين.

هنا من لبنان، لبينا صيحة الحسين منذ ألف وأربعمئة عام، حيث صاح في كربلاء “ألا من ناصر” فأجبناه “لبّيك”، لن نتركك وحيدًا، في كل ساحة وموقف وعند كل اختبار.

فانتصرنا في تموز، بفضل الحسين، ملبين دعوته، سامعين نداءه، وحافظين لرسالة جده رسول الله (ص).

المقاومةعاشوراءكربلاءلبيك يا حسين