يعيش بيننا، قد يكون جارنا أو زميلنا في الجامعة أو العمل، قد يكون أحد قاصدي المحل الذي نقصده يوميًا، قد يكون شاب الدليفري الذي يطرق على باب منزلنا ويدير ظهره قبل أن نفتح الباب حياءً واحترامًا لأهل البيت، وقد يكون سائق سيارة الأجرة أو معلم صيانة الكهرباء أو معلم السباكة، قد يكون أي شخص نعرفه معرفة شخصية أو سطحية أو نلتقي به لقاء عابرًا.
لكن هذا الشاب هو نفسه الذي يترك ما في يده من عمل أو كتب، مودعًا أهله حاملًا حقيبته الصغيرة، وربما من دونها، وقد يتسلل من البيت خلسةً دون توديع، ليلتحق برفاق له تحملهم سيارة عادية في ثيابهم المدنية من مكان إلى آخر، قريب أو بعيد، حتى الوصول إلى نقطتهم المحددة، ليتحولوا عندها إلى أسُود الجبهات وأبطال المواجهات، فينفذون مهمتهم المطلوبة منهم، ويعودون في اليوم نفسه، أو بعد يوم، يومين، أو أكثر، إلى بيوتهم وأحيائهم، وكأنهم ليسوا أولئك الابطال الذين أذاقوا العدو جرعةً من الشراب المر، أو هزيمة صغيرة أو كبيرة.
الأمر المؤكد من غير شك، أن كثيرين من المقاومين حين يذهبون إلى نقاط المواجهة مع العدو، يذهبون استشهاديين، يعلمون أنهم قد لا يعودون أحياء، أقول كثيرين ليس لأن آخرين لا يتمنون أن يكونوا استشهاديين، بل لأن بعض المهام قد لا يكون فيها المقاومون في مواجهة الشهادة، وإلا فكل مقاوم مشروعُ شهيد أو جريح.
الأمر المؤكد أيضًا، أنه لا يوجد مقاوم من مقاومي حزب الله يتمنى أن يعرف الناس عمله الحقيقي، لأجل سلامة وأمن العمل المقاوم، ولأنه يرى أن عمله بينه وبين ربه، لا يجب أن يطلع عليه أحد.
اليوم، بعدما حصل في شويا الجنوبية، واعتداء بعض الأهالي على شاحنة المقاومين، انكشف لنا وجه مقاوم بطل، وجه حسِبَ كل من رآه أنه يعرفه، أنه التقى به، وكان بإمكان صاحب هذا الوجه أن يحمل سلاحه ويواجه المعتدين عليه وعلى رفاقه، لكنه تعلم التمييز بين العدو وابن الوطن، ولو كان ابن الوطن قليل الوفاء أحيانًا.
سيكون هذا المقاوم حزينًا جدًا الآن، أولًا لأنه حدث في شويا ما حدث، وثانيًا لأنه صار معروفًا بين الناس أنه من رجال المقاومة، وقد يحرمه هذا الأمر مواصلة عمله المقاوم كما اعتاده أو على الأقل سيقيّد ما حصلَ من حركته بين الناس.
لصاحب هذا الوجه الجميل كل التحية، ولرفاقه الذين كانوا معه، ولكل المقاومين الشرفاء، نقبّل جباههم وأيديهم، حفظهم الله من كل شر، ومن العدو الخارجي والآخر الداخلي.