يعتمد التوظيف السياسي في أي حدث من الأحداث على معطيات وخلفيات ووقائع تتمتع بشيء من الحقيقة وتخفي جزءًا آخر. لذا يصبح من الممكن لأي طرف سياسي ملء القسم المجهول من الحقيقة ببروباغندا مسيسة لتوجيه اصابع الاتهام نحو الخصم بالسياسة.
ولعل جزءًا من هذه العملية قد يكون مقبولًا باللعبة السياسية، لكن ان يجري خلق شاهد وفبركة روايات سوريالية وتفاصيل واحداث من نسج مخيلة الكاتب ويعمل معد السيناريو على اسقاطها على حدث ضخم، فهذا يعد تزويرًا وتحويرًا وخلقًا لأحداث لم تحصل وليس عليها أي دليل حسي سوى روايات الشاهد لما شفش حاجة.
حصل ذلك مع الشهود الزور بعد عملية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام 2005، وذلك بهدف تسييس التحقيق وادارة الملف لاتهام سوريا أولًا والمقاومة ثانيًا بعملية الاغتيال، الامر الذي اسقط التحقيق والمحكمة الدولية سقوطًا مدويًا خصوصًا بعد تبدل روايات المحققين الدوليين حيال الظن بالمتهم بعملية الاغتيال.
بعد مرور ستة عشر عامًا على اغتيال الحريري شهد لبنان حدثًا يكاد يفوق بخطورته واهميته ما حصل عام 2005 نظرًا للظروف التي يمر بها لبنان، حدث اصاب اصل وجود الكيان والنظام بمقتل ما يحتم اجراء عمليات جراحية كبرى عساها تنقذ البلد مما هو فيه.
لكن الاستثمار السياسي للكارثة لم يتأخر دقائق بعد وقوع التفجير الذي هز دول المنطقة وسُمع صداه في قبرص والاردن وسوريا وطالت تداعياته ما هو ابعد من ذلك.
اليوم وبعد عام على الكارثة يعتمد المشغلون نفس الاسلوب المتبع سابقًا لكن بأدوات مطورة مع استخدام مساحيق التجميل والقفازات، تلعب فيها وسائل اعلام البترودولار واعلامييو “ابو ناصر” دور المغذي والمحرك للرأي العام بهدف خلق نفس السيناريوهات السابقة لتوجيه الاتهام نحو فريق بعينه دون دليل.
على سبيل المثال يعمد أحد أبرز الاعلاميين في لبنان من خلال برنامجه الشهير الى تسويق روايات بوليوودية لشهود بروايات مفبركة بخفة، يعمدون الى الادلاء بشهاداتهم على قاعدة انهم شهدوا عمليات نقل للنيترات نحو اماكن تخص المقاومة، او انهم لاحظوا تحركات مريبة قبيل التفجير المريب في 4 آب.
لكن الحقيقة ان هذه السرديات تعتمد في جوهرها على ابتكار اي رواية ولو لم تكن مقنعة او تستند الى ادلة، على قاعدة توجيه الضخ الاعلامي ضد المقاومة، ما يكرس مع الوقت اتهام المقاومة بتخزين النيترات ولو دون دليل.
لذا شهدنا في الايام القليلة الماضية حملة كذب وافتراءات من شهود زور يفترض بهم تقديم روايات على غرار ما قدمه شاهد الزور الاشهر في لبنان محمد زهير الصديق فيما يتعلق بعملية اغتيال الرئيس الحريري. هو السيناريو ذاته يعاد توليفه واعادة تطبيقه بأساليب مختلفة على أمل حصد نتائج أفضل مما تم حصده من خلال المحكمة الدولية سيئة الذكر.
الحيثيات اليوم مختلفة وكذلك طبيعة الحدث وآثاره السياسية والاقتصادية والامنية. وما يراد من توظيفه سياسيًا هو تحميل المقاومة مسؤولية انهيار الهيكل ليعاد بناؤه على اضلاعها. لكن التجربة خير دليل وبرهان ان مثل هذه المسرحيات لم تقدم في السابق سوى الاكاذيب التي سرعان ما كشفت، وأن اداء المقاومة السياسي والامني والعسكري خصوصًا في مثل هذه الظروف المفصلية من تاريخ الكيان يؤكد علو كعبها وقدرتها على التعامل مع هذه السرديات. وما يضاف اليوم الى المشهد كمّ الوعي الذي تتمع به القاعدة الجماهيرية العريضة للمقاومة ما يجعل من امكانية تأليب الحاضنة الشعبية أمرًا صعبًا وربما مستحيلًا في مواضع عدة.
رغم ذلك يُظهر الجانب اللطيف من المشهد ان اقنعة التزوير والنفاق سقطت و”صار الوقت” مناسبًا ليتجرع إعلام الفتنة من الكأس “المرة” بعد فشل مسعاهم وتزويرهم.