يغزو السلاحُ بشتّى أنواعه في لبنان كلّ بلدةٍ وحيّ وبيت منذ سنين عدّة، خاصّة أنّ لبنان هو إحدى الدول العربية التي لطالما عانت حروبًا داخلية دامية واجتياحاتٍ صهيونية خارجية.
يُستخدم السلاح في لبنان في مختلف أنواع المناسبات، في الفرح عند حفلات الخطوبة والزواج، عند نجاح التلامذة والطلاب، وكذلك في حالات الحزن كدفن الميّت وتشييع الشهداء. أمّا أخيرًا، فقد قُنصت جنازة الشهيد علي شبلي الذي وافته المنيّة في زفاف قريبته على يد أحد المأجورين لإشعال الفتنة، تحت مُسمّى “الثأر” لخلاف سابق منذ عام، قتل فيه فتى وزُعم كذبًا أن الشهيد سبلي هو القاتل.
لطالما طالب هؤلاء، أصحاب السلاح المخزّن في الجحور المنزلية، بنزع سلاح المقاومة، تلك المقاومة التي حرّرت أرض الجنوب من الاحتلال الصهيوني عام ٢٠٠٠، ودحرت العدو مجدّدًا عام ٢٠٠٦ رغم تآمر القريب والبعيد من أبناء الوطن. أمّا في المعركة مع الإرهاب، فقط حمت الأرض والبيوت التي يقطن فيها الخصوم قبل الحلفاء، باختلاف الأديان والانتماءات والمواقف السياسية المؤيّدة والمُعادية؛ فالهدف كان دائمًا ولا يزال حماية الوطن والناس.
تلك المقاومة، يختلف تكليفها الجهادي من عامٍ لآخر، فمرّةً تقاوم عسكريًا بالسلاح، ومرّةً سياسيًا بمحاربة الفساد. أمّا اليوم، فقد كان التكليف مختلفًا، فسلاح المواجهة اقتصر على الصبر والبصيرة وكظم الغيظ. ففي لحظة سقوط الشهداء والجرحى، وإغلاق الطرقات العامة على المارّة والسالكين من أبناء بيروت وخلدة والجنوب، بل أبناء لبنان كافةً، كان تكليف قيادة حزب اللّه دعوة السلطات الأمنية الغائبة عن السمع بأوامرٍ عليا إلى التصدي الحازم لمحاسبة الجناة والمشتركين معهم، وانضباط الجمهور والصبر والصبر والصبر.
وفي حين توقّع الجميع تحقّق المُخطط المُهيّأ له سابقًا بإشعال حرب أهلية عبر دسّ البغائض الفتنوية بين الطرفين، لم يدهشنا صمود بيئة المقاومة وانضباطها وصبرها والتزامها بتعاليم وأوامر القيادة. هذه البيئة التي حاربت الصهيوني والتكفيري وأعداء الداخل بكل ما لديها من عزمٍ وإيمان وقوّة، وقدمت الأهل والأطفال والأحباب وفلذات الأكباد قربانًا وولاءً ووفاءً لهذا النهج والخط المقدّس، وقفت كالعادة متفهّةً للموقف، واعية للمخطّط الفتنوي، صامدةً ومسؤولة، مثبّتةً كلام الأمين، وليّ الدماء، بأنّ أبناء هذه البيئة هم “أشرف الناس”. هذه البيئة الكريمة، هي امتداد لأخلاق أمين عام حزبها الذي صرّح يومًا عن استعداده لتقديم الدم والمال وماء الوجه من أجل حفظ البلد.
لقد أثبت جمهور المقاومة مجدّدًا وكما العادة، بكافة أفراده وأطيافه، وعيًا ليس له مثيل، وعيًا يُحتذى به ويُدرّس لمن أراد تعلّم الصبر والوفاء. هذا الجمهور الواعي والمسؤول، صاحب تاريخ النضال والمقاومة المُشرّف، سالك درب الشهداء، وحده بقيادته يصلح لقيادة العالم أجمع، ليس لبنان فقط، لا بل يُؤتمن على حقوق الناس وبيوتها ومصالحها.
لقد وضع حزب الله بسيّده وقيادته وجمهوره مصالحهم الشخصية جانبًا في هذه المعركة الحسّاسة، تمامًا كما في كلّ المعارك السابقة، واختاروا السير بما تقتضيه المصلحة العُليا ومصلحة البلد والناس، ومن ضمنهم أولئك الذين طالبوا دومًا بتنحي الحزب عن المقاومة والسياسة وجعلوه عدوًّا. فأولئك المُعتدون، الذين لطالما طالبوا بتسليم سلاح “ميليشيا” حزب اللّه المتفلّت وغير الشرعي، كما يسمونه، إلى دولةٍ لا يؤمنون بها ولا يحترمون مؤسساتها بل يواجهون جيشها وشعبها بسلاحهم المأجور، قد صوّبوا بنادقهم نحو حزب اللّه وأبنائه، وأسقطوا لنا الجرحى والشهداء، فاختارت قيادته كظم الغيظ، والصبر على سفك الدماء الطاهرة إلى يومٍ معلوم، وتخزين هذا الغضب الأبيض ليومٍ أسود سوف تتبدّل فيه المعادلات رأسًا على عقب، كي يُحاسب الجاني والمُعتدي، وكي تبقى مصلحة البلد وأهله محفوظة.