اجتاحت موجة التطبيع عالمنا العربي بقوّة وخاصّة خلال حكم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بعد توقيع صفقة العار أي “صفقة القرن” الصهيوعربية. فقد لحقت دولٌ عدة بهذه الموجة المُهينة لتاريخ العرب والتي جعلت من الصراع العربي الإسرائيلي، بالنسبة لهم، أمرًا عاديًا، ببساطةِ “أزمة عابرة”.
لكنّ التطبيع لم ينحصر بالأمور السياسية فحسب، رغم أن هؤلاء الحكّام المُطبّعين قد برروا هذه الخطوة بأنها خطوة سياسية واقتصادية تهدف إلى انتشال البلاد العربية من أزماتها الاقتصادية وحماية مستقبل العرب، بل امتدت وطالت الخطوات.
وهنا يمكننا أن نجزم بأن خطوة التطبيع العربية لم يكن هدفها سياسيًّا وحسب، بل إنها خطوة متقنة ومدروسة لطمس هوية المقاومة وتاريخ الصراع العربي الإسرائيلي وفتح صفحة جديدة مع من اغتصبوا الأرض وسرقوا الخيرات ونكّلوا بالشعوب العربية.
فها نحن اليوم، نشهد مواجهة عربية إسرائيلية في أولمبياد طوكيو لعام ٢٠٢١ بين تهاني القحطاني لاعبة الجودو السعودية وإحدى اللاعبات الصهيونيات. فبعد انسحابات عدة لعدة لاعبين عرب من ضمنهم لاعب الجودو الجزائري فتحي نورين الذي انسحب من مواجهة السوداني محمّد عبد الرسول “نصرة للقضية الفلسطينية” لتفادي احتمالية اللعب مع الإسرائيلي توهار بوتبول، رفضت اللاعبة السعودية الانسحاب بل قررت المتابعة ومواجهة اللاعبة الإسرائيلية التي هزمت القحطاني بنتيجة ١١- صفر. وقد كانت الردود الرسمية السعودية بموقع تشجيع قوي للقحطاني وتحفيزٍ لها. أما القحطاني، ورغم خطوتها المعيبة عربيًا، فقد جاهرت بعد خسارتها بمواجهة الطرف الإسرائيلي وعدم الانسحاب بل قالت “صافحت اللاعبة الإسرائيلية ثلاث مرات” محاولةً الظهور بروح رياضية من دون أي التفات لموضوع التطبيع… مأكدةً أن “اللي استحوا ماتوا”.
في ظلّ هذا الخضوع العربي المستمر بشتى أشكاله واختلاف مواضيعه التي تعدت السياسة وطالت الأمور الحياتية لتحويل هذا الصراع التاريخي الدامي إلى علاقة ودّ ومحبة، وانخراط المرأة في هذه المجالات ونقل هذه الأفكار إلى الأطفال والمجتمع، لا بدّ من تسليط الضوء على اختلاف نماذج النساء في عالمنا العربي، فشتّان بين تهاني القحطاني والشهيدة أشرقت القطناني ونساء غزّة واليمن ولبنان المقاومات.
لقد شهدنا نماذج عدّة لفتيات ونساء يُحتذى بهن مثال أشرقت قطناني ابنة السادسة عشرة عامًا التي استشهدت بالرصاص الإسرائيلي عام ٢٠١٥ عند أحد حواجز الاحتلال، والشابة منى الكرد المناضلة بكلمتها وقلمها وموقفها وصمودها ضد الاضطهاد الذي لحق بها وبعائلتها وبالفلسطينيين المقيمين في حي الشيخ الجراح والتي حوّلت منصات التواصل الاجتماعي إلى سلاح فتّاك أظهرت به للمحافل الدولية ظلم الاحتلال. وكذلك شكّلت المرأة اليمنية في صبرها ومقاومتها للحرب والجوع والحصار وحماية البيوت والأطفال، والمرأة اللبنانية التي قدمت الأهل والإخوة والأولاد وفلذات الأكباد في سبيل مواجهة العدو الصهيوني أقدس أشكال المواجهة وذلّ العدو.
فشتّان بين مصافحة الصهاينة والخضوع على حلبات المصارعة الرياضية، ومواجهة المقاومة بالسلاح للعدو الإسرائيلي المغتصب للأراضي العربية والقاتل للشيوخ والنساء والأطفال منّا في ساحات القتال والمواجهة العسكرية.
لقد سطّر هؤلاء اللاعبون المنسحبون والرافضون لمواجهة الإسرائيلي على حلبة واحدة وتهاني القحطاني التي خاضت مع الإسرائيلي جولات عدّة انتهت بالمصافحة ثلاثًا، معادلة جديدة فحواها أن الانسحاب هنا انتصارٌ واستمرار المواجهة سقوط… فقد خسرت القحطاني منذ اللحظة الأولى التي قررت فيها خوض المواجهة مع الخصم الصهيوني، وانتصر هؤلاء المنسحبون فور وضع القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي نصب أعينهم ورفضوا الانصياع، ولو رياضيًّا.