تشير جهات خليجية مطلعة إلى أن الوفد المخابراتي السعودي الذي زار الجمهورية العربية السورية منذ شهور تجنب الحديث في الشأن اللبناني، وحاول بجدية أن لا يخوض في موضوع سعد الحريري نهائياً، إلا أن إلحاح الجانب السوري في تبيان بعض الأمور اللبنانية والموقف السعودي من حولها، جعل الفريق الأول يرد بحسم وباختصار دون أن يتقبل النقاش أو الخوض بالأخذ والرد، لا بل حسم بقوله إن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أكثر من ندمان لكونه وافق على إطلاق سراح سعد الحريري، وكان يأمل أن يبقى بالسجن حتى…ودون أن يعلم عنه أي شيء.
وأضاف الوفد على ذمة المصدر المطلع: “سعد أخذ مشاريع سعودية بقيمة 7 مليون دولار ولم يقم بتنفيذ أي مشروع منها، ونعتقد أن سعد قدم المال إلى الرئيس الفرنسي ماكرون، وهذا الأخير أضاع المال في مشاريع أوروبية!”.
وعن الشقيق بهاء الحريري والملف اللبناني أكد الوفد أن السعودية لم تعد تهتم للعائلة الحريرية لا سعد ولا بهاء ولا بهية الحريري، هذا الملف انطوى وأقفل بالنسبة إلى السعودية، والسعودية ليست بوارد تسمية أي شخصية سنية لتترأس الحكومة اللبنانية، وكل من اتصل بنا سمع ذات الجواب، والملف اللبناني أصبح خارج عالمنا، وحتى المبادرة الفرنسية لم تتحمس لها الرياض، ولم تقتنع بها!
هذا الكلام الذي قاله المصدر الموثوق يعرفه غالبية الساسة في لبنان، ومن يتدخل في الشأن اللبناني، وربما لا جديد فيه لكون الشارع في لبنان أصبح يردده بسهولة باستثناء النائب ورئيس كتلة المستقبل الرئيس السابق للوزراء سعد الحريري، وقد يعرفه لكنه يتجمل ولا يرغب بتصديقه!
مهما تكن أسباب السعودية التي أوصلتها إلى هذا القرار الحاسم، ومهما خسرت من معارك في لبنان أو خارجه، ومهما تزعزعت مشاريعها السياسية الخارجية وتحديداً في لبنان، وخذلتها زعامات كانت تعول عليها لضرب المقاومة إلا أن السياسة يجب أن لا توصل المحنك بها إلى قرار الخروج من بقعة مشغولة بسياسات الاقطاب، وتعتبر مركزاً مخابراتياً غاية بالأهمية، وبنكاً لتمرير الرسائل في كل الاتجاهات المعنية مباشرة من لبنان، وإعلامها للإيجار كما شاشاتها الفضائية!
يجد من يفقه بعالم السياسة والدبلوماسية، وفي هذه المرحلة الحساسة من تسويات المنطقة أن قرار خروج دولة تعتبر حالها إقليمية من لبنان خطأ كبير على أكثر من صعيد يعنيها هي قبل غيرها، وقولها إنها قررت الخروج من لبنان نهائياً، ولم تعد تهتم له، وترغب بإقفال عائلات فيه محسوبة عليها هو ضرب لسياستها، وضد فكرة العمل السياسي من أصله!
نحن هنا لا نقول إننا مع أو ضد السعودية بما قامت وتقوم به سياسياً، وهي حرة، وهذا شأنها، بل نشير إلى المفهوم العام الفكرة العمل السياسي فكيف إذا كان هذا العمل خاصاً بالسعودية التي تتدخل بكل شاردة وواردة في الشؤون الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بالمنطقة، ومن المستحيل أن يصدقها لا العاقل ولا المجنون بأنها لا تتدخل!
صحيح لبنان يكاد يكون أصغر دول العالم، وبالتأكيد مدينة حلب، أو القاهرة أكبر منه مساحة إلا أن ما هو موجود فيه شعوب لبنانية وليس شعباً، وطبيعة النفوس المتقلبة كالأرض، وشراء الذمم بسهولة، واستغلال الزعامات، والمناصب، والمراكز، والإعلام، وانتشار مخابرات العالم، ونور المقاومة، وتحكم السفارات بالقرار السياسي، وصنعها للثوار فيه، وللمعارك والحروب بداخله، وكذلك تنفذ هذه السفارات برامج منوعة وسياسية تلفزيونية، وتحدد الضيوف وتختار المذيعين… كل هذا يتمتع به لبنان، وما هو موجود في لبنان ليس موجوداً في الشرق الأوسط نهائياً، ولا مثيل له، لذلك هو اعجوبة وعجيبة!
للسعودية ثقلها التاريخي في لبنان كما حال بعض الدول العربية والغربية مهما اختلفنا سياسياً وفكرياً، والخروج، أو استمرار السعودية بالتعاطي على اساس عدم التدخل في لبنان، والخروج النهائي من كل ملفاته يعني ترك مساحة كبيرة شاغرة، ولا شك سيأتي من سيملأ فراغ هذه المساحة!
كما لا نذيع سراً أن قيادة حزب الله طالبت السعودية عبر وسيط أن يسموا شخصية سنية لتترأس الحكومة، وأن البلد لا يسير إلا ضمن هذه القواعد اللبنانية والإقليمية، ولكن الرد كان:” السعودية تخلت عن الملف اللبناني”!