فاطمة دلّة – الناشر |
منذ القِدَم كانت النّظرة الدّونيّة تُلازم المرأة حتّى قبل أن تولد، فكانوا في عصر الجاهليّة ينعتونها بالعار، وتسودّ وجوههم إذا ما رُزِقوا بأُنثى، وكي لا يلحق بهم ذُلٌّ كانوا يدسّونها في التّراب حيّةً ويقتلونها وكأنّها رِجسٌ قَذِر.
ويأتينا اليوم من ينتقد ذاك السّلوك بشدّةٍ، متشدّقاً باسم الحريّة للمرأة، إلّا أنّنا نجده أكثر صلافةً من أولئك الجهلة، فلا يَئد المرأة فحسب، بل يحطّم معها كلّ مقوّمات بناء المجتمعات الإنسانيّة الرّاقية.
تحت عناوين برّاقة تدعم ما يُزعَم أنّه حقّ المرأة، تراهم يشوّهون لطافة و ظرافة هذا المخلوق الجميل، ويسلبونه كلّ نوعٍ من الحريّة يرقى به إلى مستوى التّحضّر والتّكامل، فتارةً يُسوّقون لما يُسمّى المساواة بين المرأة والرّجل في كلّ مجالات الحياة والعمل و… ، وتارةً أخرى يرمونها بسهام التّخلّف إذا ما كانت تسعى للحفاظ على إنسانيّتها، وتحاول إثبات ذاتها الفاعلة في مجتمعات الحضارة الذّكوريّة.
لقد أفقدوها الكثير من ثقتها بنفسها وأرعبوها بتهديد التّبعيّة العمياء، فإمّا تكون كما تشتهي سُفُنهم، أو يسلّطون عليها رياح حربهم بحجّة أنّها التّخلّف بعينه. ألا يكون ذلك أشدّ قساوةً من الوأد أيّام الجاهليّة؟!!!
في ذاك الزّمان الغابر، كانوا يُخفون صورتها كي لا تراها العيون، أمّا في زمان التّكنولوجيا اليوم فهُم يشوّهون وجهها وصورتها وقلبها ويستعبدونها لكن بصورةٍ مقوننة، وإذا ما بدأنا بسرد الأمثلة على ذلك، فإنّ كتاباً بمئات الصفحات لا يكفي لِتِبيان مدى حقارتهم وخبثهم في ترويض المرأة وجعلها كما يحبّون، وهنا للأسف فإنّ الضّرر لن يتوقّف عند حدود بعض النّساء المغرّر بهنّ، بل إنّ انعكاس ذلك على المجتمع ككلّ سيكون إلى حدّ تدمير الأسرة وتفكيكها، وتخريب عقول الرّجال والنّساء، الصّغار والكبار على حدٍّ سواء.
فالحرب تبدأ من حيث نقطة الضّعف، فهُم قد روّجوا للموضة والأزياء والتّبرّج والتعرّي أو حتّى حجاب الموضة، دعماً لمفهوم أنّ المرأة لا يجب أن تخفي جمالها ويجب أن تخلع ثوب الحياء الّذي يشكّل عائقاً أمام خُبث مؤامراتهم، حتّى وصلنا اليوم إلى أن يحقّقوا إلى حدّ ما تهشّماً في العمود الفقريّ للثّقافة الإنسانيّة، وبتنا نُسحق تحت نعال الجهل المتراكم إن من مُصدّري الفكر المنحرف ( الغربيّين والأوروبيّين)، أو من مُستهلكي هذا الفكر الوضيع في مجتمعاتنا الّتي تعاني الفقر الثّقافيّ قبل المادّيّ.
هي ليست الدّيمقراطيّة والحريّة وسعادة الشّعوب وتحقّق رقيّها أهدافهم المزعومة، بل إنّ المجرم مهما لَبِس من أقنعة البراءة فإنّه لن يستطيع إخفاء صورة وجهه الحقيقيّ أمام المقاوم الفطن الذّكيّ، وإن أوقعوا بحربهم النّاعمة هذه ضحايا كُثرًا في معركة الوعي والبصيرة، إلّا أنّ زينب العصر ما زالت تَقِف أمام كلّ يزيد لتخاطبه بكامل حجابها وعفّتها وصلابة عنفوانها، أنا كلّ الجمال، كلّ العاطفة، كلّ الأنوثة، لن تُنقِص منّي شيئاً ما دام سلاحي حجابي وكيدك إلى فناء.
إنّنا اليوم بحاجة لأن نقف ذلك الموقف بكلّ ثقةٍ وقوّةٍ حتّى ننهض بإنسانيّتنا ونحقّق فعلاً الحريّة المنشودة ليس للمرأة فحسب وإنّما لكلّ مستضعف.