فجأةً تتعقد المفاوضات النووية في فيينا، وفجأة تعلنها إيران صراحة: لا عودة إلى هناك قبل تسلّم الرئيس رئيسي السلطة في آب أغسطس المقبل! وذلك بعد أن كان الأمل يحدو الجميع بأن الفترة الانتقالية بين إدارتي روحاني ورئيسي ربما تكون ذهبية لإتمام الاتفاق وخصوصاً أن إيران كانت قد أعلنتها صراحة أيضًا بأن هذا الأمر قابلٌ للتحقق. وفجأة أيضًا وأيضًا تسارعت وتيرة الهجمات على القواعد العسكرية لأميركا في كل من العراق وسوريا، والتي سبقها ولحقها تصعيد أميركي واضح في استهداف مقرات الحشد الشعبي والفصائل العراقية على مقلبي الحدود بين البلدين. وفجأة يظهر خلاف أميؤكي-إيراني إلى العلن حول ما يسمى بملف تبادل السجناء بينهما، ويلقي كل طرف اللوم على الآخر في عدم الوصول بهذا الملف إلى خواتيمه السعيدة، فتتهم إيران أميركا بأنها تحاول ربطه بالملف النووي، وترد الثانية بأنها جاهزة حالياً لإكمال التفاوض بشأنه!
سويعاتٌ قليلة بعد كل هذا وذاك، تنقل وول ستريت جورنال عن مسؤولين اميركيين تهديدهم بفرض عقوبات على شبكات الشحن للنفط الإيراني بحجة إرغام إيران على العودة إلى الاتفاق النووي! لماذا كل هذا؟ وما الذي يجري حقيقةً؟ وما الذي تُريد أن تُقايضه إدارة بايدن مع إدارة رئيسي المقبلة، وذلك قبيل انطلاق الجولة السابعة من مفاوضات فيينا، وخصوصاً أن إدارة بايدن تعلم أن إيران رئيسي ستعود إلى فيينا حتمًا بعد تسلمها مقاليد السلطة.
التفسير الأقرب لذاك التهديد الأمريكي المستجد، ليس هدفه -كما هو معلن- جلبُ إيران مجدداً إلى فيينا، فهي ستعود حتماً كما ذكرنا، إنما الهدف الأميركي المضمر يتلخص في رسالة أميركية واضحة لها، ومفادها: كما تم التفاهم على مبدأ الامتثال مقابل الامتثال في النووي، وكما تم التوافق على أن العودة للاتفاق الأساسي -ربما- سيكون الركيزة في فتح التفاوض على اتفاق أشمل وأوسع نوويا، فإن المعادلة المطروحة أميركيًا اليوم، والتي تريد من خلالها استباق تسلّم الرئيس رئيسي السلطة، تتمثل بالتهديد بالخنق في ميدان الاقتصاد مقابل “التهديد الإيراني” الحاصل عبر إرهاصات الخنق في ميدان التواجد الأمريكي في المنطقة. بكلام آخر، لعل أميركا تلّوح بورقة ضرب الأمل لدى المحافظين في تحسين الواقع الاقتصادي والمعيشي
في إيران، وذلك مقابل تلويح هؤلاء -وكما تعتقد أميركا- بإطلاق إرهاصات حدثت على الأرض تتمثل بضرب الأمل لدى الديمقراطيين بألا تتكرر مرارتهم التي كانت في العام ٢٠١١ وخروجهم المذل من العراق ولاحقاً من سوريا أيضاً.
خلاصة القول، وفي ظل القرار الإيراني المبرم بعدم ربط ملفي النفوذ في الإقليم والصواريخ البالستية بالملف النووي، وفي ظل الرضوخ الأميركي الأولي وغير المُستطاب للجلوس على الطاولة وفقاً لذاك الفصل في الملفات، وفي ظل سياسة ادارة بايدن في إخراج الأرانب تباعاً، وذلك في محاولةٍ منها لربط الملفات من بابها الخلفي، أتت هذه المساومة اليوم عبر إعلامها، وذلك في محاولة منها لتكريس معادلة التثبيت أو الرفع لقاعدة ضرب الأمل الجديدة لدى الطرفين.
من اليوم وحتى تاريخ انعقاد الجولة السابعة من مفاوضات فيينا، والمرجّحة في أيلول – سبتمبر المقبل سنشهد الكثير الكثير من المد والجزر في ملعبي الميدان والسياسة معاً.