تقسيم المقسم، وتفتيت الموجود.. الشهيد السيد نصر الله محذرًا الدول العربية

لم ينتظر حزب الله وكل جبهة المقاومة الدعم العربي، في لحظة انهيار بنيوية وعمق فكرية، حولت الأنظمة إلى جثث بالية إكرامها في دفنها، وأطرت الشعوب في سياقات طائفية أو إثنية أو معيشية، حتى خلخلت هويتها وانتماءها، فلم يتبقَّ من الوعي الكافي لمساندة غزة ما يدفع لخروج تظاهرة ولو بالعشرات فضلًا عن المئات.

كان الحزب حريصًا على الدول العربية، حرص المشفق عليها من مآلات خياراتها الكارثية، كمن يرتضي المكوث في فم التنين، وتكون مشكلته مع اليد التي تحارب هذا التنين لتمنع ابتلاعه، فيطعن هو باليد المدافعة، في مشهد سريالي يثير استغراب العقلاء، ولكن ولأننا في حفلة جنون، وفي منطقة الجنون، يسقط هذا الاستغراب.

وحتى لا نطيل، ومن باب الاستفادة، وعلّ وعسى تصل هذه الكلمات إلى بعض الشعوب العربية، وتفعل بعض فعلها، أورد بعض خطابات الشهيد السيد حسن نصرالله التي حذّر فيها الدول العربية من سقوط المقاومة أو سورية الداعمة لها، أو جبهة المقاومة، فيسقط الجميع، دون استثناء، ولا مظلة لأحد؛ فالوحش يأكل كل ما ومن يستطيع الوصول إليه، وإن لم يتبقَّ إلا مساعد هذا الوحش للوصول إلى فرائسه، أكله دون استئذان ودون أن تتحرك مشاعره ندمًا أو شفقة.

وفيما يلي بضع عينات قليلة من خطابات كثيرة لسماحته، أُلقي فيها الضوء على فقرات تكلم بها عن خطورة تراجع جبهة المقاومة، أو انهزامها -لا سمح الله- على الدول العربية والإسلامية:

خطاب 16 شباط عام 2013: حذر السيد حسن الدول العربية من إسقاط سورية، الموقع المواجه لـ”إسرائيل” والداعم لحركات المقاومة، حيث سيكون البديل الفوضى تمهيدًا لتقسيمها، وإذا قُسّمت فالعدوى ستنتقل إلى باقي الدول العربية والإسلامية، وهذا ما نراه الآن بأم أعيننا في الصومال واليمن وقريبًا في أمكنة أخرى.

خطاب 25 أيار من نفس العام: قال سماحته ما مضمونه إن هزيمة محور المقاومة في سوريا تعني ضياع القدس، وتعني دخول المنطقة في عصر إسرائيلي مظلم لن يسلم منه ملك أو أمير. اليوم بعد انتقال سوريا إلى المحور الأميركي ضاع الجولان، فلم يتجرأ النظام الجديد على الوقوف في وجه تصريحات ترامب التي قدم فيها الجولان للكيان اللقيط، وضربت قطر، ويتم تشكيل طوق إماراتي-إسرائيلي على السعودية، وإماراتي-إسرائيلي-إثيوبي على مصر.

خطاب إحياء يوم القدس العالمي لعام 2014م: صرح سماحته بما مفاده أن هزيمة المحور تعني أن خارطة المنطقة ستمحى، وعروش حكامها ستكون أولى الضحايا. اليوم بعد أن استشعر الكيان انتصارًا ما، وإن كان غير كامل، جاء موفده الأميركي (براك) ليبشرنا بتغيير خارطة المنطقة، وإزالة دول ودمج دول أخرى.

خطاب كانون الأول 2016: ورد في خطاب سماحته أن المحور يدافع عن بقاء الدول العربية ككيانات، وأن البديل المعد هو “إمارات جاهلية تذبح بعضها بعضًا.. انظروا حولكم، ألا يدفع الأميركي والإسرائيلي إلى حرب أهلية في لبنان؟ وألم يوكلوا الشرع في سوريا لتحقيق بعض من مشروع (ينون)؟ والأمر يمتد على السودان والصومال واليمن وليبيا، والحبل على الجرار”.

خطاب 16 شباط 2018: حذر السيد الحكام العرب في هذا الخطاب من الاستقواء بأميركا و”إسرائيل” لضرب المحور؛ لأن الأمر سيؤدي إلى نهب ثروات دولهم، ويفقد المنطقة التوازن، ويفرض الشروط الإسرائيلية عبر الضغوط.. ألا يصرح الإسرائيلي بإلغاء اتفاقية الغاز مع لبنان بدعوى أنها مجحفة بحقهم؟ كيف نرى سوريا اليوم وقد استسلمت لكل ما يفعله الكيان؟ ماذا فعلت قطر إلا البكاء عندما تم ضربها؟ لِمَ يسكت التركي عن قصفه وقتل ضباطه في سوريا؟ علمًا أن السيد سبق أن حذره من سقوط سورية وأنه سيكون بعدها على اللائحة.

خطاب 8 حزيران 2018: حذر السيد من أن هزيمة المقاومة تعني شطب القضية الفلسطينية، ولاحقًا تغيير خارطة المنطقة، وأنظمة الحكم نفسها. وستصبح “إسرائيل” القوة المهيمنة التي تملي على الجميع ما يجب فعله.. ألم يبدأ هذا الأمر؟ في سورية يُلغى احتفال تضامني مع غزة لأن “إسرائيل” أمرتهم بذلك، وهذا أمر بسيط ناهيك عن القضايا الكبرى؛ ألم يأمر الإسرائيلي التركي بعدم إنشاء قواعد عسكرية له فيها ودمر ما بدأ تجهيزه في تدمر وريف حمص، ولم يجرؤ التركي على الرد؟ ألم يتحدث نتنياهو عن “إسرائيل الكبرى” التي تضم أجزاءً كبيرة من دول المنطقة وتبتلع لبنان؟

خطاب 8 آذار 2018: صرح السيد بما معناه أن إضعاف المقاومة وجبهتها هو إضعاف لقوة المنطقة الحقيقية أمام المطامع الصهيونية، ومن يظن أن “إسرائيل” ستحميه بعد كسرنا فهو واهم… اليوم يمد الرئيس اللبناني يده لسلام ضعيف واستسلامي مع الكيان الصهيوني، فيردون عليه بالإمعان في القصف والقتل وانتهاك السيادة وصولًا إلى التحليق فوق القصر الجمهوري في رسالة واضحة: “تأتي إلينا صاغرًا منفذًا كل ما نريد”. في سوريا يستجدون الاتفاقات الأمنية، ويستعلي نتنياهو فشروطه لا أمد لها، وفي مصر فرض لاتفاقية الغاز لصالح الكيان..

تشكل جبهة المقاومة قوة توازن إقليمية، عدا أهدافها الاستراتيجية في تحرير المنطقة من قوى الاحتلال والاستعمار، وما رأيناه عمليًا بعد رجحان كفة القوى المعتدية ولو نسبيًا، يؤكد استشرافات سماحة الشهيد السيد حسن. وإننا نأمل من الحكام العرب والمسلمين استدراك وجودهم وشعوبهم، قبل أن ترجح الكفة نهائيًا لصالح المحتل، وحينها لن ينفع ندمهم، وسنكون أمام مشهد مفجع، كان واضحًا أمام عمق الوعي والبصيرة اللذين تمتع بهما سماحة السيد، ولكننا وإياه لا نريد أن نصل إلى هذا الموقف والوضع.. فهل من مجيب؟!

الدول العربيةالسيد حسن نصر الله