اليمن الكبير أمام فرصة النجاة الأخيرة

اليمن الكبير اليوم يجد نفسه أمام اختبارٍ تاريخي لا يحتمل المواربة ولا يقبل أنصاف المواقف، فما يجري في المحافظات الجنوبية والشرقية ليس أحداثًا معزولة، ولا تناقضات داخلية عابرة، بل هو جزء من مشروعٍ أكبر يراد له أن يمزّق ما تبقى من الجسد الوطني، ويحوّل اليمن من وطنٍ جامع إلى خرائط متناحرة، ومن شعبٍ واحد إلى شظايا متخاصمة.

لقد بلغ الاستهداف مستوًى لا يترك أحدًا خارج دائرته، الجميع معرّضون للخسارة، والجميع مدعوون إما إلى إنقاذ ما تبقى من الوطن، أو إلى الوقوف على رصيف الانتظار حتى يحين الدور. في مثل هذه اللحظات، لا تعود الاتهامات المتبادلة ذات جدوى، ولا تصبح المزايدات السياسية سوى وقود إضافي لنار الاقتتال والتناحر، ما نحتاجه ليس المزيد من الصخب والاتهامات، بل شجاعة الاعتراف، وجرأة المراجعة، وحكمة القرار.

إن الاصطفاف الوطني اليوم لم يعد خيارًا أخلاقيًا فحسب، بل ضرورة وجودية، ليس المطلوب أن نتشابه في الرؤى، ولا أن نذيب خلافاتنا تحت شعارات زائفة، بل أن نضع اليمن أولًا، قبل الأحزاب، وقبل الجماعات، وقبل الحسابات الضيقة، أن نعترف بأن الصراع الداخلي خدمة للطامع الأجنبي حين يطول، لا يفرز منتصرين حقيقيين، بل يخلّف وطنًا مكسورًا يتقاسمه الطامعون.

المصالحة الوطنية ليست ضعفًا، بل هي أعلى درجات القوة، أن يتآخى أبناء البلد الواحد ليس عارًا، بل شرف يليق بوطنٍ أنهكته الحروب، العار الحقيقي أن نعتاد رؤية بعضنا بعضًا حطبًا لمعارك لا تخدم إلا أعداءنا، وأن نقف متفرجين بينما يُستنزف الجميع واحدًا تلو الآخر، المصالحة الصادقة لا تقوم على طمس الجراح، بل على مواجهتها بشجاعة، والاعتراف بها، ثم معالجتها بعدلٍ وحكمة، لا بروح الانتقام ولا بمنطق الغلبة.

المرحلة الراهنة تحتاج إلى رجال دولة، لا إلى تجّار أزمات، إلى قيادات تستشعر ثقل اللحظة، وتدرك أن التاريخ لا يرحم من فرّط في الأوطان، ولا يعفي من باع المستقبل مقابل مكاسب شخصية وحزبية عابرة، نحتاج إلى أصواتٍ عاقلة تفضّل أن تخسر جولة سياسية على أن يخسر اليمن وجوده ومعناه.

ما جرى وما يجري ليس مجرد أحداث تتوالى، بل دروس قاسية لمن أراد أن يتعلّم، وفي كل مرة نؤجل فيها لحظة المصارحة، أو نهرب من استحقاق التلاقي، نمنح مؤامرات الأعداء وقتًا إضافيًا لترتيب صفوفهم ومشاريعهم التآمرية، وحدهم من يحملون في صدرهم قلوبنا حيّة تدرك أن الوطن حين يضيع، لا يبقى للخلافات معنى، ولا للانتصارات الصغيرة قيمة.

اليمن اليوم لا يحتاج خطابات عالية السقف بقدر ما يحتاج ضمائر عالية المسؤولية، يحتاج أن نختلف دون أن نتحارب، وأن نتنافس دون أن نتلاشى، وأن نتصالح لا لأننا ضعفاء، بل لأننا نريد أن نبقى، فالوطن الذي لا يُنقذ في ساعة الخطر، قد لا يجد من ينقذه حين يصبح الخراب هو القاعدة، لا الاستثناء!

وفي الأخير هل الأطراف الأخرى المناوئة لصنعاء اليوم قادرة على إمتلاك قرارها وتجاوز أحقادها وعقدها المزيفة، والدخول في حوار حقيقي ومصالحة وطنية حقيقة تضع اليمن الكبير والمصالح الوطنية الكبرى فوق كل الأطماع الحزبية والشخصية؟!

اليمنصنعاء