حين يُصبح علم فلسطين جريمة في الأردن!

فعل فاضح مفضوح ومن شدة خدشه للحياء والحشمة وخروجه عن كل مفردات الشرف والكرامة، ظننته في بادئ الأمر خبرًا عابرًا كاذبًا نشرته إحدى جرائد الصحافة الصفراء من أجل الإثارة لجمع الإعجابات والتعليقات بطريقة دنيئة، لكنّي عندما تحريت وجدته مؤلمًا وحقيقيًا وفاضحًا ويحمل معاني أشد فداحة من تلك التي وردت في قانون العقوبات لتعريف الفعل الخادش للحياء والأفعال المنافية له.

الكارثة تعدّت الفعل لتمتد إلى الجهة التي ارتكبت الفعل والتي يُفترض أن تمثل الأمن بكل ما تحمله الكلمة من “أمن وأمان”، لا بل وأن تسعى إلى تعزيزه لإنفاذ القانون وصون الحقوق. وهذا ما يدفعني للتساؤل هل يمكن أن يقبض عنصر أو ضابط الأمن الذي ارتكب الجرم على نفسه بتهمة الإخلال بالأمن وخدش الحياء والمساس بالشرف؟!

ولأن كل أمر بات مباحًا في بلادي، سأسمح لنفسي الآن، باقتراح توسيع الوصف القانوني لخدش الحياء، ليشمل أفعالًا أخرى منافية له وأشد خطورة على السيادة والسلم الوطني كتلك التي تخدش الكرامة والشرف وتنتهك السيادة وتُخل بالعروبة والعزة والأصالة، والتي ما زال يمارسها أصحاب القرار دون استحياء من عقود سبقت حتى توقيع اتفاقية الذل والعار “وادي عربة” مع العدو الصهيوني منذ تسعينيات القرن الماضي. وللتوضيح، لا أكشف سرًا هنا؛ فالتاريخ والحاضر يشهدان على ظلمة نهج التطبيع والخيانة والتآمر المستمر ضد المقاومة وشيطنتها.

اليوم في قلب العاصمة عمّان يُمنع رفع علم فلسطين بمشهد يمثل طعنة جديدة في خاصرة الوطن والعروبة حيث خرجت مؤخرًا مسيرة تضامنية سلمية مع فلسطين وترجّل أحد الشبان ليرفع علم البلاد وهنا هرول الأمن نحوه وكأنه أتى بذنب عظيم، وللوهلة الأولى يخيّل لمن يرى تلك المهزلة أن الشاب رفع سلاحًا أو بيده ممنوعات أو أخلّ بالأمن والنظام العام حتى لحظة قيام الأمن بمصادرة أداة الجريمة بنظرهم والتي تمثلت بعلم أشرف الأوطان وأقدسها فلسطين. تخيلوا! ولم يكتفِ الأمن بذلك بل أقدموا على اعتقاله رغم أنه كان مسالمًا وسلّمهم “الحرز” عفوًا، العلم! ولو كنت مكانه لانتزعت روحي قبل أن ينزعوا العلم منّي.

ربما لن يصدق البعض هذه الرواية، وقد يذهلون ويتساءلون: أيعقل أن يحدث ذلك في وطن “عربي”! وهذا حقهم، فهناك فئة بيننا لا تزال تبني أوهامًا وتتشبث بأمل كاذب يخلص إلى ابتداع بطولات ونسبتها لأنظمة عربية ساقطة في الخيانة، بينما إن عدنا إلى التاريخ سيكُون هذا المشهد هيّنًا في سجلهم وتحديدًا في سيرة تلك السلالة التي أقصدها، والله من وراء القصد.

وللأمانة أصابتني الغيرة من تلك الفئة التي تتعشم بحكام الذل والعمالة؛ لذلك أريد للحظات العيش بوهم “بطولة” تلك الأنظمة، فسأطلق لخيالي العنان وأبدأ بالسير في رحلة وهمية علّها تخمد شيئًا من نار قهري إزاء فداحة خياناتهم، وعليه وبما أنني مواطنة صالحة سيستفزني واجبي الوطني والمهني حتى ولو كان الأمل وهمًا، لأقدم الآن بلاغًا وبشكل علني هنا ضد الجهات المعنية إلى الجهات المعنية نفسها، نعم، ربما البلاغ حين أستيقظ من هذياني سيرتد إليكم.

وتاليًا نص البلاغ: ألتمس من الجهات المعنية محاكمة الجهة أو الشخص الذي أمر بمنع رفع علم فلسطين، وأوعز للأمن بمصادرته، واعتقال الشاب الذي حمله يوم الجمعة الموافق 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، في الوقت الذي يُرفرف فيه علم الكيان الصهيوني الغاشم الإرهابي في عمّان كأنّه “دولة شقيقة” لا مغتصب وطن، ولا ثأر يتوجب علينا انتزاعه من أعناق وأرواح مغتصبيه، ولأن “البينة على من ادّعى”، فدعوني أقدّم لكم الدليل طوعًا: سفارة العدو في الرابية، وعنوانها واضح، أعرفها جيدًا لأنني لطالما اشتهيت حرقها وانتزاع ثأرنا، وبما أنّني مواطنة صالحة ومتعاونة إلى أبعد الحدود، سأدلكم على موقعها وأرافقكم إليه، ولا تقلقوا فالطريق لن يكون طويلًا، وخلاله سأروي لكم حكاية اسمها فلسطين؛ لعلّكم نسيتم من الذي احتلّها، ومن الذي سفك دماءنا، ومن الذي هجّر وشرّد شعبها تحت وطأة السلاح وما زال يُبيده منذ قرن حتى لحظة تقديم بلاغي هذا لكم؟

وكي لا أشتت انتباهكم سأكتفي بعرض بعض من مجازر عدونا التاريخية بحق أمتنا العربية، واستمراره حتى اليوم في إبادة غزة العزة بالتزامن مع عدوانه الإرهابي البربري على ضفة الصمود ويمن الإباء ولبنان حيث جنوبه الطاهر وضاحية سيدنا الأسمى حسن نصر الله في بيروت، علّ ضمائركم تستيقظ إن تمعنتم بتاريخه عسى أن تدركوا كيف “ينتصر الدم على السيف”.

ولأنني، كما أخبرتكم، مواطنة صالحة متعاونة، سأضع لكم بعضًا من أحاديث نصر الله، رضوان الله عليه، وقادة محور المقاومة الأبرار، لتُيقنوا كيف صانوا شرف وعروبة هذه الأمة وأراضيها التي أنتم جزء منها، وإن لم يهزكم ذلك، سأريكم مقاطع موثقة لإرهابيي العدو وهم يهددون الأردن ويعبرون عن نيتهم باحتلال أراضيه رغم وهم ذل “السلام” الذي لا يعني سوى الاستسلام، وفي هذه الجزئية سأكتفي بالقول إن لكم بالجولاني عبرة يا أصحاب القرار.

وبما أنني ما زلت أصيغ بلاغي إليكم سأخبركم أيضًا عن شباب يقبعون في غياهب السجون لدعمهم المقاومة بكلمة ومظاهرة، وآخرين بجرم “نية قيام بعمل إرهابي” ضد العدو. تخيلوا يرعاكم الله! هذا يحدث رغم أن القانون لا يحاسب على النوايا، وأيضًا سأشي بجهة معنية قامت بقمع المظاهرات وتسييج كل معلم قريب من وكر إرهاب العدو وتجسسه، وحينما نصل إلى هناك سأثبت ذلك لكم، وسأزودكم بلوائح المطبعين والخونة في بلادنا مع قائمة بيانات كاملة تضم أسماء من طبعوا وسلّموا ورهنوا سيادتنا وأعناقنا للوضيع الصهيوني والشيطان الأكبر الأميركي، فالوثائق بحوزتي، أما البينة الشخصية حين تقررون سماعها فلن تحتاجوا لشهود، فسترون الدم خير شاهد يُعرّي بطهارته كل خائن وعميل.
أما مسرح الجريمة، فلن أطيل الوصف، فالأرشيف ممتلئ تاريخيًا وحاليًا في هذه اللحظة الآنية لنفس الخيانة، والهوان، إذ ستجدون الشخوص تتبدّل بينما الفعل الدنيء واحد، ويؤسفني جدًا إبلاغكم بأنهم تعدوا مرحلة الانبطاح أمام الكيان الصهيوني وحليفه الأميركي والقوى الاستعمارية الداعمة لإرهابه ووصلوا إلى مساكنته جهرًا دون أن يستتروا.

وختامًا، بعد أن استيقظت من وهمي “ببطولاتكم” وهذياني، سأقول لكم إن قلمي لم يتمادَ يومًا لولا تماديكم بالخيانة، وأحيطكم علمًا يا أصحاب القرار بأنكم لو صادرتم كل أعلام فلسطين سننسج علمها بدمائنا كما هو مجبول بدماء الشهداء الأبرار، وسنبقى نعلّق خرائطها في أعناقنا وإن قطعتموها، وسندع علمنا يلوّح حين يشاء وكيف يشاء وأين يشاء فالقرار له. ربما، سيرفض أن يرفرف في أرض يقبع عليها ثلة خونة وجواسيس حاولوا حتى إنقاذ العدو بجسر عارٍ حين فُرض عليه حصار بأمر من محور المقاومة، كما سماءها التي تلعن من أمر بتمرير عبرها مساعدات أميركية للعدو من أجل إبادة غزة، علاوة على اعتراض صواريخ ومسيرات محور المقاومة والمشاركة في التآمر على ساحاته الطاهرة من فلسطين ولبنان حتى طهران واليمن إلى العراق، حيث إن علمنا الفلسطيني يمكث هناك في أراضي هذا المحور ويرفرف كما اعتاد شامخًا ممتنًا للدماء العفيفة التي امتزجت بدم فلسطين وسطرت وحدة ثبات ودماء ونصر بهزيمة الصهيوني الوضيع رغم أنوف حكام وأمراء العربان.

الاردنعلم فلسطينفلسطين