لقد كان الحاج محمد عفيف قائدًا استثنائيًا في لحظة حرجة من تاريخ المقاومة، في مرحلة امتزج فيها الألم بالحاجة إلى الصمود، وفقدان الزعيم بالمسؤولية الكبرى للحفاظ على روح الجماعة وإعادة بناء الثقة بعد الزلزال الذي هزّ وجداننا برحيل سماحة الشهيد الأسمى السيد حسن نصر الله وصفيّه الهاشمي.
في تلك المرحلة، كان الحاج محمد الصخرة الراسخة، العمود الفقري الذي تمسك به المقاتلون والجماهير على حدّ سواء، وهو الذي أعاد للنفوس الثقة، وللقلوب الأمل، وجعل من الضاحية مركز عزيمة لا يُقهر، ومن الإعلام ساحة مواجهة لا تقل أهمية عن أي جبهة قتالية.
لم يكن دوره محصورًا في قيادة الصفوف الأمامية فحسب، بل تجاوز ذلك إلى صياغة الخطاب الإعلامي والجماهيري، بما ينسجم مع تطلعات الشعب، ويربط بين وعي الجماهير والمعركة الميدانية.
كان بارعًا في مخاطبة العدو، وفي كشف خدعه ومؤامراته، وفي مواجهة الأكاذيب بصوت الحق والحقيقة، حتّى أصبح وجوده مصدر قلق مستمر لهم، وصوتًا يزلزل أعمدة أكاذيبهم، فقد استطاع أن يحوّل الإعلام إلى سلاح، والكلمة إلى جبهة صلبة، تصنع رواية الانتصار، وتزرع الإيمان في نفوس المقاومين.
لقد عرف العدوّ أن محمد عفيف ليس مجرد إعلامي أو متحدث باسم المقاومة، بل هو قائد شامل يمتلك قدرة استثنائية على إدارة المعركة على جميع الأصعدة، الإعلامية، الميدانية، والسياسية. لقد رفع من معنويات الجماهير، وأعاد صياغة الصورة العامة للنصر والمواجهة، وجعل من كلّ كلمة يلقيها سلاحًا مضادًا للعدو، ومن كلّ خطاب يوجهه نورًا يبدّد الظلام الذي يحاول الاحتلال أن يزرعه في قلوب اللبنانيين.
في أعينهم، كان الحاج محمد هدفًا مزعجًا، ثقلًا على ميزان مخطّطاتهم، وبؤرة ضوء تكشف كلّ أسرارهم. خططوا للانتقام منه، مدوا له يد الغدر والخيانة، وحاولوا إسكات صوته الذي صار رمزًا للحق، ولكن شهادته كانت شهادة حق ووفاء، ارتقى بها إلى أعلى عليين، ليصبح في زمرة الأبرار والمخلصين الذين صدّقوا القول لسماحة الشهيد الأسمى:
“لا طيّب الله العيش بعدك”.
كان أكثر من قائد؛ كان صانع الرواية، ليس فقط لأنه أبدع في صناعة الخطاب الإعلامي المقاوم، بل لأنه أسس مدرسة جديدة في التفكير والتوجيه والإعلام المقاوم، وجعل من كلّ كلمة تُنطق جسرًا بين المقاومة والشعب، ومن كلّ تقرير وبيان وثيقة تثبت الحق وتفضح باطل الاحتلال.
لقد أنشأ جيلًا من الإعلاميين المقاومين، الذين حملوا الرسالة والوفاء، وتعلموا من دماء الشهداء وجراح الجرحى وعذابات الأسرى أن المقاومة لا تُقاس فقط بالمدافع، بل بالوعي، والكلمة، والرواية التي تُصاغ بصدق وشجاعة.
لم يكن الحاج محمد مجرد قائد إعلامي في مسيرته، بل كان مقاتلًا ومعلّمًا ومرشدًا، يجمع بين الحزم والحنكة، بين الشجاعة والتفكير الإستراتيجي، بين الرسالة الوطنية والإيمان العميق بالمقاومة. فقد صاغ من المنابر الإعلامية ثغورًا جديدة، ومن الكلمات جيوشًا من الوعي المقاوم، وأثبت أن الإعلام المقاوم يمكن أن يكون أقوى من أي سلاح، وأن الرواية الحقيقية للمعركة تصنع قبل الانتصار، لا بعده.