انقلاب المعايير: العملاء ضحايا والمقاومون متّهمون

ينشط إعلام اليمين اللبناني المتصهين الممول خليجياً وذبابه الإلكتروني في ترويج سرديتين متناقضتين بشكلٍ متوازن دون أي حرجٍ، حيث يتهم بيئة المقاومة بـ”توريط لبنان في نزاعٍ مع إسرائيل دون سبب”، وفي نفس الوقت يتهم هذه البيئة نفسها بأنها “عميلة لإسرائيل”! وبات روتيناً يومياً أن تُتهم بيئة المقاومة المثخنة بجراح الصراع مع إسرائيل بالعمالة لها ممّن استقبلوا شارون في بيوتهم واحتضنوا الجنود الاسرائيليين وقاتلوا معهم وما زالوا الى اليوم يرفعون شعار التطبيع والتواصل والتحالف مع إسرائيل! لذلك قد يكون مفيداً إنعاش الذاكرة ببعض المحطات عن البيئة الحقيقية للعمالة.

كانت كل قيادات جيش العملاء من غير مجتمع المقاومة، من المؤسس الرائد سعد حداد إلى أنطوان لحد وصولاً إلى عقل هاشم الذي كاد يتبوأ منصب القيادة قبل أن تُصفّيه المقاومة. وبينما رفع “الآخرون” تمثالاً لسعد حداد واستشرسوا لإعادة جثة أنطون من “إسرائيل” لدفنها في لبنان وحضروا جنازة عقل هاشم الى جانب الضباط الإسرائيليين وطوّبوه شهيداً، كان معظم شيعة الجنوب يفرّون إلى خارج الشريط الأمني السابق داخل المنطقة المحتلة، ومن يعجز عن الهرب يخضع للتجنيد الإجباري ويعمل في رُتب دنيا غالباً ولا تتم ترقيتهُ إلا إذا أثبت ولاءه لقيادته وانسلاخه عن بيئته، ورغم ذلك قُبض على الكثير منهم يعملون لصالح المقاومة ودفعوا أثماناً باهظة.

يُبرر “الآخرون” أي إجراءٍ يضع معلومات اللبنانيين بيد الإسرائيليين ولو أدى ذلك الى كشف لبنانيين آخرين وقتلهم، بذريعة التطور والتحضّر وباعتبار أرواح الضحايا آثاراً جانبية لا قيمة لها في السعي نحو التطور المزعوم، رغم أن الدول المتطورة تكنولوجيًّا تنفق مليارات الدولارات من أجل حجب معلوماتها وحماية خصوصية مواطنيها. وقد شهد لبنان تتالي الفضائح الأمنية من تسليم داتا الاتصالات في حرب تموز عام 2006 ثم نقل داتا المحكمة الدولية الخاصة بلبنان إلى لاهاي عبر “إسرائيل”! بين عامي 2008 و2012، وصولاً إلى الجريمة الموصوفة التي ارتكبها مدير عام لبناني ما يزال في الخدمة بتسليم داتا الاتصالات والسير وجوازات السفر والكورونا وغيرها إلى المملكة المتحدة فـ”إسـرائيل” وهو ما شكّل كنزاً اعتمدت عليه “إسرائيل” في تصفياتها للبنانيين في الجنوب خلال العامين الماضيين، ويجد هذا المدير حمايةً وتأييداً دون أي اعتبار لمئات الضحايا الذين يُقتلون بفضل معلوماته، بل ويُتهمون بأنهم هم من يتآمرون على أنفسهم.!

يحتضن “الآخرون” العملاءَ ويبررون لهم عمالتهم ويطالبون لهم بالبراءةِ أو بأحكامٍ مخففة ويعتبرون الفارين منهم الى “إسرائيل” مظلومين “مُبعدين قسراً”، ويدافعون عن القضاة والسياسيين الذين يخالفون القانون والضمير الوطني بالتعاطف مع الخونة، فيما تنبذ بيئة المقاومـة العملاء، سواءٌ كانوا من نسيجها أو من غيره، وتُطالب بإنزال أقسى العقوبات بحقّهم وتحتفل بتصفيتهم أو اعتقالهم، وقبل كل ذلك يشعر أهالي أي عائلةٍ أو قريةٍ بالعار حين يُكتشف عميلٌ ينتمي إليهم، ولو اكتُشف أي عميل في قريةٍ ما دون توقيفه لمزقه الأهالي بأظافرهم.

يتسابق “الآخرون” لبناء علاقات سرية وعلنيةٍ مع “إسرائيل” والتبرع لمشاريع إسرائيلية وتبني سردية مظلومية “إسرائيل”وتبرير جرائمها بذريعة الدفاع عن النفس ونفي صفة الاحتلال عنها وتسخيف حملات المقاطعة من أجل تثبيت زعاماتهم ونيل الرضا الأميركي وبناء المزيد من الإمبراطوريات السياسية اللبنانية، بالمقابل لم يتنازل مجتمع المقاومة يوماً بل قدم 3 من زعمائه المتعاقبين شهداء في صراعه مع “إسرائيل” من السيد عباس الموسوي الى السيد هاشم صفي الدين مروراً بالسيد نصر الله، ودفع في هذا الطريق العشرات من أرفع قادته العسكريين خلال 4 عقود من مسيرة المقاومة من علي حسن ديب الى عماد مغنية الى فؤاد شكر وإبراهيم عقيل وغيرهم. بل وحتى خلال فترة انخراط الأحزاب اللبنانية (غير حزب الله) والفصائل الفلسطينية في المقاومة ضد الاحتلال كان معظم المقاتلين ومعظم الشهداء من الشيعة، دون أن يلقوا جزاءً أو شكوراً، بل الشماتة والرقص على جراحهم.

طبيعيٌ جداً أن يتركز سعي “إسرائيل” على تجنيد عملاء من بيئة المقاومة لأنها هي التي تشكل خطراً عليهم وتجاورهم جغرافياً، فيما لا حاجة حقيقية لتجنيد عملاء في البيئات الأخرى التي يعمل مؤيدو “إسرائيل” فيها مجاناً لصالحها. (ورغم ذلك نجد نسبة العملاء في الشريحة الأولى أقل بكثير مقارنة بالشريحة الثانية وطبعاً أقل بكثير من حجم تضحياتها) لكن غير الطبيعي هو تطوّع بعض اللبنانيين للترويج للدعاية لـ”إسرائيل” والتهليل لضرباتها العسكرية على مناطق لبنانية والمطالبة علناً بالمزيد من القصف وتيريره لاستثماره سياسياً، وفي نفس الوقت استسهال اتهام البيئة التي دفعت دماء أبنائها ودمار بيوتها بالعمالة!. فعلاً صدق القائل “حدث العاقل بما لا يليق فإن لاق له فلا عقل له”.

اسرائيلالشيعةانطوان لحدعملاء اسرائيللبنان