الشيخ نعيم قاسم في يوم الشهيد: «لكل شيء حد».. خطاب بين الثبات والمرونة

في لحظة لبنانية تتقاطع فيها الأزمات الداخلية مع الضغوط الخارجية، وتتصاعد فيها النقاشات حول مستقبل المقاومة وسلاحها ودور الدولة، أطلّ الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في احتفال «يوم الشهيد» ليعيد تثبيت معادلات الحزب السياسية والعقائدية.

خطابه هذا العام لم يكن احتفاليًا فحسب، بل حمل رسائل متعددة الاتجاهات -داخلية وخارجية- في توقيتٍ بالغ الحساسية، حيث تتزايد الضغوط الأميركية والإسرائيلية لإعادة رسم التوازنات في لبنان بعد عام على اتفاق وقف إطلاق النار في تشرين الثاني 2024.

شدّد الشيخ قاسم في كلمته على أنّ المقاومة «لن تتراجع عن خيارها ولن تتخلى عن سلاحها الذي حمى لبنان وحرّر أرضه، فهو ضمانة الكرامة والسيادة»، مؤكداً أنّ «لكل شيء حدًّا»، في إشارةٍ واضحة إلى أنّ استمرار الخروقات الإسرائيلية والضغوط الأميركية سيقود إلى مواجهة مفتوحة.

استهل سماحته كلمته بالتذكير بتضحيات الشهداء، مستعيداً بدايات المقاومة عام 1982، ومؤكدًا أنّ «إسرائيل» لم تنسحب من لبنان عام 2000 «إلا صاغرةً تحت ضربات المجاهدين، لا بالمفاوضات ولا بالوساطات»، وأنّ معركة أُولي البأس الأخيرة «أوقفت الاجتياح الإسرائيلي عند حدود الجنوب وثبّتت معادلة الردع».

في البعد الداخلي، قدّم قاسم خطاباً مزدوجاً بين التحذير والدعوة إلى الشراكة، فأشاد بانتشار الجيش اللبناني جنوب الليطاني، معتبرًا هذا الانتشار «مكسبًا وطنيًا لأن الجيش هم أبناء الوطن، والمقاومة فتحت الطريق أمام الدولة لتحمّل مسؤوليتها». لكنه في المقابل حذّر من أن الحكومة «تخضع للضغوط الأميركية» وتسير وفق «إملاءاتٍ تهدف إلى إضعاف المقاومة وتجريد لبنان من عناصر قوته»، داعيًا إلى وضع خطة واضحة لاستعادة السيادة بدل الانشغال بـ«ذرائع نزع السلاح».

أما في رسالته إلى الخارج، فاتهم الشيخ قاسم واشنطن بأنها «تستخدم اليد الإسرائيلية لإنهاء دور لبنان المقاوم»، محذّرًا من أنّ «التهويل والضغط لن يغيّرا موقفنا»، ومؤكدًا أن الحزب «لن يسمح بأن يتحوّل لبنان إلى حديقة خلفية للمشروع الإسرائيلي». وختم بالقول: «لكل شيء حد، نحن أمام خطر وجودي حقيقي، وسندافع عن أرضنا وأهلنا وكرامتنا مهما كان الثمن. نحن المنتصرون بالنصر أو بالشهادة».

جاء خطاب سماحته متماسكًا في لغته ومضمونه، جامعًا بين الثبات الاستراتيجي والعقائدي في الدفاع عن خيار المقاومة، والمرونة التكتيكية في التعامل مع مؤسسات الدولة، خصوصًا الجيش اللبناني، وقد جمع بين تأكيد الشراكة مع الدولة في الجنوب والتشديد على حق المقاومة في الرد، موجّهًا رسالة مزدوجة مفادها أن لبنان القوي لا يكون بنزع سلاح المقاومة، بل بتكاملها مع مؤسساته في مواجهة العدوان، قاطعًا الطريق أمام أيّ تسوية داخلية أو خارجية تمسّ «جوهر الوجود المقاوم».

إنه خطاب ردعٍ سياسي بقدر ما هو عسكري، أراد من خلاله حزب الله القول إنّ لبنان ما بعد «أُولي البأس» لن يكون ساحة خاضعة للابتزاز، بل دولة تملك معادلة قوة فرضتها تضحيات الميدان، وفي المقابل وجّه دعوة ضمنية إلى الداخل اللبناني لحوارٍ وطني قائم على مفهوم «قوة لبنان في مقاومته»، لا على منطق نزع عناصرها أو إضعافها.

يمثّل خطاب الشيخ نعيم قاسم نموذجًا لتوازنٍ دقيق بين لغة العقيدة ولغة الدولة، فهو يكرّس مبدأ أن المقاومة لم تعد كيانًا خارج الشرعية، بل هي عنصر من عناصرها، فيما يوجّه في الوقت ذاته رسالة صريحة إلى الخارج: إن أي مشروع لتطويع لبنان أو إخضاعه سيسقط أمام معادلة «الردع بالثبات».

بهذا المعنى، جاء الخطاب ليس فقط تجديدًا للولاء للشهداء، بل تجديدًا لمعادلة الردع السياسية والعسكرية التي تحكم علاقة لبنان بالاحتلال الإسرائيلي منذ ربع قرن تاريخ اندحاره مهزوماً عن لبنان في العام 2000.

الشيخ نعيم قاسمحزب اللهيوم الشهيد