1701 على الورق.. والواقع ينزف

منذ انتهاء حرب تموز 2006، بقي القرار 1701 الإطار القانوني الناظم للعلاقة بين لبنان والكيان الإسرائيلي، والعنوان الأممي لما سُمّي آنذاك بمرحلة “الهدوء الحذر” على الحدود الجنوبية. غير أنّ الواقع على الأرض أثبت أنّ هذا الهدوء لم يكن سوى استراحة قصيرة بين خرقٍ وآخر. فبينما التزم لبنان بنص القرار وروحه، تمادت “إسرائيل” في انتهاكه حتى باتت بنوده تُقرأ بالمقلوب، وتحولت الأرض اللبنانية إلى مسرح مفتوح للعدوان والخرق اليومي.

القرار 1701 لم يُكتب ليتحوّل إلى ورقة شكلية تُقرأ أمام الكاميرات فقط؛ بل كان من المفترض أن يضمن وقف الأعمال العدائية فورًا، وانسحاب القوات الإسرائيلية، ونشر الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني بالتعاون مع قوات اليونيفيل الدولية. إلا أن الواقع كشف حجم الفجوة بين النص والواقع: طيران الاحتلال يخترق الأجواء باستمرار، يشن غارات تستهدف المدنيين والمعدات المدنية، أما على البرّ فمواقع الاحتلال لا تزال متقدمة وتتجاوز الخط الأزرق بلا أي رادع.

قانونيًا، ما تقوم به إسرائيل يشكّل انتهاكًا صارخًا لميثاق الأمم المتحدة والمادة الثانية الفقرة الرابعة التي تحظر استخدام القوة ضد دولة أخرى، كما يشكل خرقًا واضحًا لاتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية التي تحمي المدنيين والممتلكات المدنية، ويصنف ضمن جرائم الحرب حسب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. لكن هذه القوانين تبدو عاجزة أمام ممارسة الاحتلال المستمرة، فيما يبقى لبنان ملتزمًا بالقرار بحذافيره، ينشر جيشه، ويتعاون مع اليونيفيل، متحملًا وحده ثقل التزاماته القانونية.

وأمام كل هذه الخروقات، زيارات المراقبين من اليونيفيل والممثلة العليا للأمم المتحدة، مثل جولات المسؤولين الميدانية ومراجعات التقارير، لم تُترجم إلى أي موقف فعلي أو عقابي. فالرصد وحده لم يوقف الانتهاكات، ولا تعليق رسميًّا واضحًا على الغارات والخرق المستمر للحدود، ما يعكس ضعف الدور الرقابي للمجتمع الدولي وغياب أي رادع قانوني حقيقي. هذه الزيارات لم تتجاوز كونها عرضًا إعلاميًا للاطلاع على الوضع، دون اتخاذ خطوات عملية لوقف العدوان أو حماية المدنيين.

أما المجتمع الدولي، فاختار الصمت. الأمم المتحدة تراقب، تصدر بيانات قلق، وتكرر الدعوات لضبط النفس، بينما يبرر الغرب هذه الاعتداءات بـ”حق إسرائيل في الدفاع عن النفس”. هذا الصمت ليس حيادًا؛ بل هو انحياز مقنع لمعتدٍ لا يتوقف عن خرق القانون الدولي، ما يحوّل القرارات الأممية إلى أوراق فارغة، والقوانين إلى شعارات بلا وزن.

في الجنوب اللبناني اليوم، لم تعد الغارات مجرد أعمال عسكرية، بل جرائم منظمة بحق المدنيين والممتلكات العامة والخاصة، وكل يوم يُسجل مقتل أو إصابة، واختطاف أو تدمير. مجازر مثل تلك التي حدثت في بنت جبيل وزبدين وتولين وحاروف والنبي شيت، تثبت أن الاحتلال يتعامل مع لبنان كأرض مفتوحة للقتل والخرق المنظم للقانون الدولي، بينما يبقى العالم يتفرج ويصمت.

إنّ القرار 1701، الذي وُلد ليكون ضمانة للسلم، أصبح شاهدًا على ازدواجية المعايير الدولية، وعلى ضعف التطبيق الأممي. هذا الصمت الدولي لا يردع المعتدي، بل يشجعه على التمادي، ويحوّل التزام لبنان بالقانون إلى عبء لا يُحتمل. زيارات اليونيفيل الميدانية، وإن كثرت، لم تغير شيئًا من واقع الخروقات اليومية، بل اكتفت بالتوثيق بدون مساءلة، لتظل الأرض اللبنانية ضحية تواطؤ صامت عالميًا.

اسرائيلالقرار 1701جنوب لبنانلبنان