زيارة بلا تهديد أورتاغوس تُفعّل الميكانيزم وتختبر صبر الجنوب

لم تحمل زيارة مورغان أورتاغوس إلى بيروت أي نبرة تهديدية كما رُوّج، بل بدت أقرب إلى جولة تذكيرية لإحياء آلية غابت طويلًا عن الواجهة، هي ما يُعرف بـ لجنة الميكانيزم، أو اللجنة التقنية الثلاثية المعنية بالتنسيق الحدودي ومتابعة تنفيذ القرار 1701 برعاية الأمم المتحدة. وقد أكدت مصادر دبلوماسية أن أورتاغوس لم تنقل أي رسالة تحذيرية إلى الرئيس ميشال عون، بل تمّ التركيز على تسريع عمل اللجنة وتفعيل دورها الميداني، وفق ما ورد في تقارير البعثة الأممية التي شدّدت مؤخرًا على أهمية هذه اللجنة لضمان الاستقرار على الحدود الجنوبية.

تُعتبر لجنة الميكانيزم إحدى أهم أدوات التنسيق بين الجيش اللبناني والعدو الإسرائيلي تحت إشراف قوات الطوارئ الدولية. وهي لجنة ثلاثية تُعقد اجتماعاتها الدورية في مقر الأمم المتحدة في الناقورة وتشرف عليها قيادة القوة الدولية. تتولى هذه اللجنة بحث الخروقات الجوية والبرية، ومعالجة الإشكالات الميدانية، وضمان الالتزام الدقيق بوقف إطلاق النار. وقد أشار أحد البيانات الرسمية الصادرة عن واشنطن إلى أنّ هذه الآلية الثلاثية القائمة بين لبنان وإسرائيل وقوات الأمم المتحدة تمّ توسيعها لتشمل مشاركة أميركية وفرنسية في متابعة وقف الأعمال العدائية.

بهذا المعنى، لم تكن زيارة أورتاغوس سياسية بالدرجة الأولى، بل محاولة لإعادة إحياء قناة الاتصال الميدانية التي تجمّد عملها مرارًا مع ارتفاع وتيرة التوتر. فالمقصود من تفعيل اللجنة هو إبقاء خط التواصل التقني مفتوحًا لتجنّب أي احتكاك مباشر بين الجيش اللبناني وقوات الاحتلال، وهو ما أكدته أيضًا مراكز أبحاث دولية معتبرة، ووصفت الميكانيزم بأنه أداة رقابة ميدانية تُدار بجدول أعمال تحدده القوى الراعية.

الزيارة، وإن غابت عنها اللغة التحذيرية، تحمل دلالة دبلوماسية عميقة: فالولايات المتحدة لا تريد مواجهة مفتوحة في الجنوب الآن، لكنها تسعى في المقابل إلى ضبط الإيقاع الأمني بما يحفظ مصالحها ويمنع توسّع الاشتباك. وهذا ما ظهر أيضًا في الموقف الفرنسي الذي رأى في الآلية المشتركة إطارًا مناسبًا لمراقبة وقف الأعمال المسلحة بين لبنان وإسرائيل.

إنّ “الميكانيزم” في جوهره ليس مجرّد لجنة تقنية، بل مساحة تفاهم غير معلنة لإدارة التوتر. لذلك، جاءت زيارة أورتاغوس كرسالة مزدوجة: أولًا، بأن واشنطن لا تزال حاضرة في تفاصيل المشهد اللبناني – الإسرائيلي؛ وثانيًا، بأن التهدئة مطلوبة، لكن وفق قواعدها هي. أما لبنان، فبقي ثابتًا على موقفه المعلن: الالتزام بتطبيق القرار 1701 ضمن حدود السيادة الكاملة، ورفض تحويل اللجنة إلى غطاء لأي وصاية أمنية أو تفاوض سياسي مقنّع.

وبين الرسائل المبطّنة والوساطات التقنية، تبقى الحقيقة أن الجنوب يعيش على إيقاع دقيق، وأن “الميكانيزم” ليس سوى محاولة لتأجيل الانفجار، لا لمنع أسبابه.

اورتاغوسلبنانلجنة الميكانيزم