في بلدٍ صار الفساد جزءًا من المائدة اليومية، لم يعد المواطن يسأل عن السعر، بل عن سلامة اللقمة. كل يوم نسمع عن لحوم فاسدة، ودجاج منتهي الصلاحية، ومياه ملوّثة، وكأننا نعيش في مختبر لتجارب الموت البطيء بالأمراض السرطانية، والمصيبة أن الدولة تعرف وتسكت.
الوزراء يتقاذفون المسؤوليات: هذا يقول «ما خصني»، وذاك يختبئ خلف توقيعٍ لم يصل من نائبٍ غاب عنه الضمير، والنواب يصرخون في الفراغ: «الفساد أقوى منّا»، فيما رئيس الحكومة لا يشغل باله إلّا بشعارٍ واحدٍ مملّ: تسليم السلاح! كأنّ الشعب يعيش في جنّة عدن، لا في بلدٍ تتساقط فيه الأرواح كل يوم بسبب الأمن والمرض.
أكلُنا من مسؤولية الدولة. أمنُنا من مسؤولية الدولة. فلماذا تقف دولتنا صامتة أمام كلّ هذه الاعتداءات على حياتنا منذ سنة إلى اليوم؟!
لا أمان، ولا حتى كرامة تُصان. وحين يُسأل المعنيّون، يرمون اللوم على بعضهم بعضًا، ويكملون يومهم كأنّ شيئًا لم يكن.
حزب الله لم يطلق طلقة واحدة منذ سنة دفاعًا عن الحدود، والدولة نفسها لم تطلق موقفًا واحدًا دفاعًا عن الناس. المواطن يعيش بين نارين: الفساد الداخلي والخذلان الرسمي.
كل هذا، فوقه إيجارات خيالية، وأسعار خيالية، وفوضى بلا رقيب. كلٌّ يعيش على «ذوقه» لأن لا قانون يُحاسب. فقط المواطن يُحاسب: تُطاله الضرائب، وتُراقَب لقمة عيشه، وتُسرق ودائعه من المصارف، والآن تريد الدولة أن تفرض ضريبة جديدة على من يستخدم الطاقة الشمسية!
عن أي دولة نتحدث؟ عن دولة لا تراقب غذاءنا، لا تحمي مرضانا، لا تحفظ كرامة الفقير، ولا تردّ العدوان عن أرضها؟ تفه على هيك دولة!
لم يعد الموت في لبنان مفاجئًا، بل نتيجة حتمية لحكمٍ بلا ضمير. السكتات القلبية والسرطانات ليست قَدَرًا، بل جريمة تُرتكب كل يوم في وضح النهار. ومع ذلك، يواصل المسؤولون مسرحيتهم الباردة، يبيعون الوعود ويشترون الوقت.
هكذا صار الوطن طاولة طعامٍ كبيرة، فوقها لحمٌ فاسد وحكومة فاسدة، وشعبٌ يأكل الهمّ كل يوم. من يحاسب من؟ ومن ينقذ من؟
حين تغيب الدولة، لا يبقى للمواطن سوى صرخته. وصوت الناس اليوم هو صرخة جوعٍ وغضبٍ وحقٍّ مهدور، صرخة تقول:
نريد دولة تحمينا من موتنا اليومي، لا دولة تبرّر للقاتل وتخفي الجريمة.