المعركة بين خوارزمية العدوان وخوارزمية الإرادة

يُردّد بعض خصوم المقاومة مقولة باتت شائعة أنه في زمن الذكاء الاصطناعي لم تعد القوّة بعدد البنادق، معتبرين أن “إسرائيل”، بتفوّقها التقني، قد تجاوزت زمن الحروب التقليدية، وأن حركات المقاومة لم يعد لها مكان في معادلة الصراع الحديث. لكن هذه المقولة، على بريقها “العصري”، تخفي خللًا جوهريًا في فهم طبيعة القوة، ومغزى الصراع في منطقتنا.

صحيح أن التكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي، والطائرات المسيّرة، باتت عناصر أساسية في موازين القوى المعاصرة. غير أن هذه الأدوات ليست بديلًا عن الإرادة والهدف والإنسان الذي يستخدمها. فالتقنية، مهما بلغت دقتها، تظلّ أداةً باردةً تحتاج إلى عقلٍ موجِّهٍ وروحٍ قادرةٍ على تحمّل الخسائر واتخاذ القرار في لحظة الخطر. والتاريخ الحديث شاهد: أمريكا امتلكت كل أدوات التفوق في فيتنام وأفغانستان والعراق، لكنها خسرت أمام خصوم أقلّ عتادًا وأكثر إصرارًا. فكيف يُقال إن “إسرائيل”، وهي كيان يعيش على الخوف والانقسام الداخلي، تستطيع أن تنتصر بخوارزميات على شعوب تمتلك الإرادة والعقيدة والذاكرة؟

ثم إن الذكاء الاصطناعي لم يعد حكرًا على الدول الكبرى. أدواته اليوم متاحة للجميع: من المهندس الشاب في غزة، إلى المبرمج في بيروت، إلى الناشط في الفضاء الرقمي. والمقاومة، بقدرتها على التكيّف، بدأت فعلاً تستخدم الذكاء الاصطناعي في الرصد والتحليل والتخطيط الإعلامي. الفارق بين من يستهلك التقنية ومن يوظّفها في مشروعٍ أخلاقيٍّ وسياسيٍّ واضح المعالم، هو ما سيصنع النتيجة.

ونسأل هؤلاء: هل استطاعت كل تقنيات “إسرائيل” وكل ذكائها الاصطناعي التغلب على عدد قليل من المقاومين في بلدة الخيام، خلال الحرب الأخيرة، حين عجز الجيش “الإسرائيلي” بكل إمكاناته عن هزيمة هؤلاء المقاومين الذي منعوه من احتلال الخيام، ووقفوا في وجهه لمدة 66 يومًا؟ والخيام مثَل واحد عن أمثلة كثيرة لوقائع حصلت في عدة قرى جنوبية.

ونسأل هؤلاء أيضًا: أليست الخوارزميات هي التي أوصلت الطائرة المسيرة التي أطلقها المقاومون إلى غرفة نوم رئيس وزراء العدو “الإسرائيلي” في الأخيرة، وهي التي أوصلت طائرات مسيرة أخرى إلى مواضع حساسة في كيان العدو، ولم يعترف العدو سوى ببعض هذه الأمور؟

إن القوّة، في جوهرها، لا تُقاس بعدد البنادق ولا بعدد الخوارزميات، بل بقدرة المجتمع على الصمود والإبداع والإيمان بقضيته.  إسرائيل” قد تمتلك آلاف الخوارزميات، لكنها لا تملك ما يعوّض فقدان الثقة بين جيشها وجمهورها، أو انهيار معنوياتها أمام مشاهد الصبر والمقاومة. أما من يملك الإيمان والهدف والإنسان المبدع، فإنه يملك أعظم خوارزمية عرفتها البشرية : خوارزمية الإرادة.

اسرائيلحزب اللهخوارزميات