توازن الخوف أفضل من فقدان المبادرة

منذ أحد عشر شهرًا، ولبنان يعيش تحت استباحة يومية، برًّا وبحرًا وجوًّا. طائرات العدو لا تغيب عن سمائه، وبوارجه تحاصر شواطئه، وقذائفه تخترق حدوده الجنوبية كأنها تذكير دائم بأن سيادة هذا البلد مشروطة بميزان القوة الإقليمي. في المقابل، تبدو الدولة محكومة بانتظار لا ينتهي: انتظار التفاهم، وانتظار المبادرة، وانتظار أن تُنهي القوى الكبرى تفاهماتها فوق الطاولة.

لكن الحقيقة المرّة أن الانتظار صار شكلاً آخر من العجز. فمنذ أن تراجعت فعالية المسار الدبلوماسي، ورفضت “إسرائيل” المبادرة الأخيرة التي نقلها المبعوث الأميركي، لم يعد هناك «مسار» فعلي يُبنى عليه. والحديث عن التهدئة لم يعد سوى غطاء لواقعٍ يتآكل فيه الردع وتفقد فيه الدولة زمام المبادرة.

في هذا السياق، يصبح السؤال: هل ثمة بديل عن هذا الفراغ سوى إعادة رسم مشهد توازن الخوف؟ إن التوازن، حتى لو كان قائمًا على الخشية المتبادلة، يبقى أفضل بما لا يُقاس من حالة الشلل التي تجعل لبنان هدفًا مفتوحًا بلا قدرة على الرد. فتوازن الخوف، على قسوته، يفرض حدودًا، ويعيد الاعتبار لمعادلة الردع التي أثبتت تاريخيًا أنها الضمانة الوحيدة لوقف العدوان. أما فقدان المبادرة، فهو استسلام ناعم، يتسلّل تحت عناوين «التهدئة» و«الوساطة» و«تجنب الحرب»، بينما الحرب تجري فعليًا على أرضنا كل يوم ولكن من طرفٍ واحد.

إن لبنان لا يملك ترف الانقسام ولا رفاهية الحياد في معادلة تتشكّل من حوله بالنار والدم. المطلوب اليوم موقف وطني جامع يُدرك أن الدبلوماسية لا تعني الضعف، وأن الردع لا يعني المغامرة. المطلوب أن يعود القرار اللبناني إلى طاولة اللبنانيين، لا إلى مكاتب المبعوثين.

في النهاية، توازن الخوف هو آخر خطوط الدفاع قبل السقوط في توازن الإلغاء. فإما أن نرسم نحن مشهد القوة، أو يُرسم عنّا بلغة النار.