الطائفة التي نزفت للوطن وناصبوها العداء

في هذا الوطن الصغير المزدحم بالتاريخ والجراح، يختلط العطر بالدم، ويمتزج الإيمان بالخذلان، حتى يكاد المرء لا يفرّق بين من يحبّ لبنان ومن يتاجر باسمه.

كان التنوّع الطائفي في لبنان نعمةً في أصله، لوحة فسيفساء رسمتها يد الخالق ليكون الجمال في الاختلاف، والرحمة في التعدّد. لكنّ الأيدي العابثة حوّلت هذه اللوحة إلى بقعةٍ من الطين، بل إلى ما لا يمكن لنا تسميته في هذه المقالة، مما يملأ الأفق رائحة كراهيةٍ واحتقان، ويطمس ملامح الوطن في مستنقعٍ من الأحقاد الصغيرة.

طائفة لم تبخل على الوطن
في زحمة هذا الضجيج، تقف طائفةٌ من أبناء لبنان بوجوهٍ أرهقها الصبر، وبقلوبٍ ما عادت تعرف سوى البذل والعطاء. هي الطائفة التي لم تنتظر شكرًا من أحد، ولا تصفيقًا من جمهور، بل قدّمت للوطن كلّ ما تملك. قدّمت الشهداء والدماء والبيوت والمال، وقدّمت خيرة شبابها حين دعاها الواجب، وقدّمت قادتها الأبرار حين لم يجد الوطن من يقف في صفّه.

قدّمت كل شيء، حتى ما فوق الاحتمال، ووقفت تحرس حدود الوطن حين نام الآخرون على وسائد التصريحات الفارغة.

في المقابل، وفيما كانت هذه الطائفة تزرع على تخوم الجنوب والكرامة زهور النصر، كان هناك من يحفر لها الحفر في الظلّ.
يتآمر عليها في الليل، ويشوّهها في النهار، ويمنع عنها كل مددٍ وعون. يتحدّث عن الشراكة، فيما يوقّع صكوك الحصار عليها.
يتغنّى بالسيادة، فيما يسلّم مفاتيحها لأعداء الوطن.

كم من مرة نزفت دماء هذه الطائفة، فلم يُرفع في وجه القاتل سوى الصمت؟! كم من مرة صبرت، وهي تُهان في الإعلام وفي الهواء، ولم تردّ إلا بالكرامة؟!

أيّ وطنٍ هذا؟
أيّ وطنٍ يُكافئ من يضحّي بالدمّ بالنكران؟
أيّ وطنٍ هذا الذي لا يعرف أبناءه إلا ساعة الحاجة، ثم يرميهم إلى الريح حين ينجو؟

لبنان لا يُبنى بالتمييز ولا بالتنصّل.
لبنان لا يقوم على ذاكرةٍ مثقوبةٍ تنسى من حمى ترابه، وتحفظ من خذله. فالوطن الذي يعجز عن إنصاف من دافع عنه، لا يستحقّ أن يُدافَع عنه من جديد.

ما بين التنوّع الطائفي والوحل الطائفي مسافةُ وعيٍ وأخلاق.
التنوّع يصنع وطنًا يحتضن أبناءه، أما الوحل فيصنع مستنقعًا يبتلعهم واحدًا تلو الآخر.

ورغم كل شيء، ما زالت تلك الطائفة تؤمن بلبنان، تؤمن به رغم الألم، وتحبّه رغم الجحود، لأنها لا تعرف سوى أن تحبّ حتى حين يُكافأ الحبّ بالخيانة، ولا تتقن سوى أن تضحي حتى حين تُنسى في حسابات السياسة والفتنة. وستبقى، كما كانت دائمًا،
الضمير الذي لا يتلوث، والقلب الذي لا يتعب من النبض للوطن.

الشيعةحزب اللهلبنان