ما بعد القرار 2231: إيران بين الحرية النووية والتصعيد الإقليمي

مقدمة: نهاية عهد وبداية مرحلة

في الثامن عشر من تشرين الأول/ أكتوبر 2025، تطوي إيران والمجتمع الدولي صفحة امتدت لعقد كامل مع انتهاء مفعول قرار مجلس الأمن رقم 2231، الذي شكّل الإطار القانوني للاتفاق النووي بين طهران والقوى الكبرى (5+1) عام 2015.

انتهاء القرار لا يعني فقط رفع القيود المتبقية على برنامج إيران النووي والصاروخي، بل أيضًا تحولًا استراتيجيًا في موازين القوى الإقليمية والدولية، قد يعيد رسم خريطة الشرق الأوسط خلال السنوات القادمة.

ما هو القرار 2231؟ وكيف وصل إلى نهايته؟
صدر القرار 2231 في تموز/ يوليو 2015، ليصادق رسميًا على خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) بين إيران ومجموعة الدول الست. بموجبه، وافقت طهران على تقييد أنشطتها النووية بشكل مؤقت -كخفض أجهزة الطرد المركزي وتحديد مستوى تخصيب اليورانيوم بـ3.67%- مقابل رفع تدريجي للعقوبات الدولية المفروضة عليها.

لكن القرار تضمّن جدولًا زمنيًا لانتهاء القيود خلال عشر سنوات من دخوله حيز التنفيذ. ومع حلول تشرين الأول/ أكتوبر 2025، تسقط آخر تلك القيود، لتتحرر إيران تمامًا من أي التزامات أممية خاصة خارج معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT).

التحرر القانوني والسيادة الوطنية
ترى إيران أن انتهاء القرار يمثل نصرًا دبلوماسيًا وسياديًا بعد سنوات من الضغوط الغربية والعقوبات الاقتصادية. وفي تصريحات رسمية صدرت مؤخرًا، أكدت طهران أن “الحقوق السيادية لإيران ليست قابلة للتفاوض، ولن تخضع لأي ضغوط سياسية”، مشددة على أن التزاماتها المقبلة ستكون حصريًا ضمن معاهدة عدم الانتشار النووي.

بذلك، تضع إيران حدًا لأي محاولات مستقبلية لفرض قيود جديدة عبر الأمم المتحدة، وتعتبر نفسها الآن دولة نووية قانونية لها الحق في تطوير قدراتها ضمن الاستخدام السلمي للطاقة.

تداعيات إقليمية: شرق أوسط على حافة التوازن أو الانفجار
ترى “إسرائيل” في انتهاء القرار تهديدًا وجوديًا مباشرًا، إذ تخشى أن تمتلك طهران قريبًا “قدرة نووية على العتبة”،أي القدرة على إنتاج سلاح نووي خلال أشهر قليلة. وقد تلجأ تل أبيب إلى تكثيف العمليات السرية داخل إيران (اغتيالات، هجمات سيبرانية، استهداف منشآت نووية)، وربما تخطط لضربات جوية محدودة إذا شعرت أن إيران تجاوزت الخط الأحمر النووي.

أما دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات، فتتعامل بحذر بالغ مع التطورات. ففي الوقت الذي تخشى هذه الدول تصاعد النفوذ الإيراني، فإنها تدرك أن المواجهة المباشرة ستضر بالاستقرار الإقليمي. ومن المتوقع أن تتبنى هذه الدول سياسة مزدوجة: تعزيز الشراكة الأمنية مع الولايات المتحدة، والانفتاح على قنوات تفاوض هادئة مع طهران، بوساطات إقليمية مثل عُمان أو الصين.

من جهة أخرى سيمنح رفع القيود عن إيران حلفاءها في المنطقة زخمًا سياسيًا جديدًا، ما قد ينعكس على المشهد الداخلي في العراق ولبنان واليمن، ويجعل الصراع الإقليمي أكثر تعقيدًا وتشابكًا.

المعادلة الدولية: الغرب يخسر الغطاء القانوني
بانتهاء القرار 2231، تفقد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الأساس القانوني الدولي لفرض العقوبات من خلال الأمم المتحدة. وبذلك، لن يتبقى لهما سوى العقوبات الأحادية، التي تواجه مقاومة فعّالة من روسيا والصين، وقد أثبتت محدودية تأثيرها خلال السنوات الماضية.

يتوقع مراقبون أن تحاول واشنطن لاحقًا إحياء نسخة جديدة من الاتفاق النووي (“JCPOA 2”) تشمل ملفات أوسع مثل الصواريخ والنفوذ الإقليمي، لكن طهران تدخل الآن مرحلة تفاوضية أقوى بكثير من عام 2015.

موسكو وبكين من جهتهما تريان أن انتهاء القرار يمثل هزيمة للدبلوماسية الغربية، وفرصة لتعزيز محور الشرق. فمن المتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة صفقات تسليح وتعاونًا تكنولوجيًّا واسعًا بين إيران وهاتين القوتين، تشمل الطائرات المقاتلة المتقدمة وأنظمة الدفاع الجوي ومشاريع الطاقة النووية المدنية. بهذا، تتحول إيران إلى ركيزة رئيسية في محور جيوسياسي جديد يمتد من موسكو إلى بكين مرورًا بطهران.

السيناريوهات الثلاثة: إلى أين يتجه الشرق الأوسط؟

هناك ثلاثة احتمالات بعد انتهاء مفعول قرار مجلس الأمن رقم 2231:

  1. التهدئة الاستراتيجية:
    تتجنب إيران التصعيد وتكتفي بتعزيز نفوذها الاقتصادي والعسكري في إطار “الشرعية الدولية”، وهكذا تبقى المنطقة مستقرة ظاهريًا، لكن على قاعدة هشّة من الشكوك والردع المتبادل، وهذا أقوى الاحتمالات.
  2. التصعيد المضبوط:
    تقوم طهران بخطوات محسوبة (رفع التخصيب، تجارب صاروخية)، فترد “إسرائيل” أو واشنطن بعمليات محدودة، ا يؤدي إلى حصول توازن رعب جديد دون حرب شاملة.
  3. المواجهة الكبرى:
    إذا تجاوزت إيران العتبة النووية أو أعلنت امتلاك سلاح نووي، فقد تشنّ إسرائيل هجومًا واسعًا على منشآتها النووية، يفتح الباب أمام صراع إقليمي يمتد من لبنان إلى الخليج.

الاقتصاد العالمي: أسعار النفط وممرات الطاقة في عين العاصفة

أي توتر إيراني–غربي سيؤدي فورًا إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز عالميًا، خصوصًا مع حساسية مضيق هرمز الذي يمر عبره نحو 30% من تجارة النفط البحرية.
في المقابل، قد تستفيد إيران من علاقاتها المتنامية مع روسيا والصين لتصبح مركز طاقة إقليميًّا بديلًا، يزوّد الشرق بالوقود والغرب بالقلق.

خاتمة: النظام الدولي بعد القرار 2231

انتهاء القرار 2231 ليس مجرد بند قانوني يسقط من أرشيف مجلس الأمن، بل تحول تاريخي في موازين القوى. فإيران اليوم تدخل مرحلة “الحرية النووية” دون قيود أممية، بينما يجد الغرب نفسه أمام معضلة جديدة: كيف يتعامل مع دولة باتت قادرة على فرض قواعدها الخاصة دون أن تُتهم بمخالفة القانون الدولي؟

الشرق الأوسط مقبل على عقد من التوازنات الصعبة: إما أن يتحول إلى ساحة ردع عقلاني وتعايش واقعي، أو أن ينزلق إلى سباق تسلّح وصدام إقليمي مفتوح.

لكن المؤكد أن إيران ما بعد القرار 2231 ليست كما كانت قبله: أكثر قوة، أكثر حرية، وأقرب من أي وقت مضى إلى تحقيق رؤيتها كقوة إقليمية مكتملة الأركان.

الملف النوويايران