مصطفى السعيد
تسير امرأة فلسطينة من جنوب قطاع غزة نحو الشمال مصطحبة ابنها الناجي الوحيد من بين أبنائها وزوجها. قالت إنها ستعود إلى بيتها المدمر لانتشال جثامين أطفالها وزوجها ودفنهم، وإقامة خيمة فوق ركام بيتها حتى تعيد بناءه، وتربية ابنها الذي سيواصل مسيرة مواجهة الاحتلال.
هذه السيدة نموذج الأسطورة الفلسطينية، التي لا يمكن إلا أن تنتصر، فهل يمكن لمثل هؤلاء نزع السلاح من أياديهم؟ أي سلاح يتحدثون عنه؟ لم يكن لدى غزة دبابات أو طائرات أو بوارج أو مدفعية، مجرد أسلحة صنعوا معظمها بأياديهم، فكيف يمكن نزعها؟ ومن يمكنه ذلك؟ هل استطاعت حرب إبادة أن تنتزعها بعد عامين من القتل الوحشي للمدنيين، وتدمير منازلهم ومستشفياتهم وتجويعهم؟ فمن يمكنه ذلك؟ يقول ترامب إنه يمكن أن يفعل ذلك، فهل استطاع بأقوى مخالبه “إسرائيل”، هل يمكنه أن يدفع بعض العرب أو أردوغان الذي امتدحه طويلًا أن يفعل ذلك؟ هل يمكن أن يدخل محمود عباس رئيس السلطة المتعاونة مع “إسرائيل” إلى غزة، حتى لو كان تحت حماية فيلق من دبابات ميركافا وطائرات إف 35؟ لا يمكن لمحمود عباس أن يدخل غزة، وينزع سلاحها، ولن يجرؤ أردوغان. أما أن تعود إسرائيل إلى الحرب بعد استعادة أسراها، وأن تعيد اعتقال الفلسطينيين المفرج عنهم! يمكنهم التفكير بل الشروع في ذلك، لكن ما لا تدركه أن عودة أسراها سينزع عنها أي حجة للهجوم على غزة، وأنها ورقة كانت بيدها لتبرير القتل الجماعي، وأن الفلسطينيين وخلفهم أحرار العالم من الشعوب التي تحركت، وأحكمت العزلة على الكيان سيكون رد فعلهم أقوى بكثير، ولديهم مبررات للتحرك أضعافًا مضاعفة، وسيتحولون إلى عاصفة عالمية، أقوى عشرات المرات مما اقتلعت نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، الجولة القادمة ستكون الأصعب والأخطر على “إسرائيل” وداعميها.