بعلبك، هذه المدينة الضاربة جذورها في التاريخ، حاضنة المعابد والعظمة، وذاكرة الحضارات، تقف اليوم شاهدة على عقودٍ من الإهمال والحرمان المتعمّد، وكأنها خارج خريطة الدولة والإنماء.
ومع ذلك، ما زالت بعلبك تملك كل مقومات النهوض، لو وجدت من يؤمن بها حق الإيمان، ويحوّل هذا الإيمان إلى رؤية اقتصادية وتنموية متكاملة.
لقد آن الأوان أن يستعيد أبناء بعلبك دورهم، وأن يعيدوا لمدينتهم مجدها ومكانتها. فالمفتاح الحقيقي لأي نهضة هو الاقتصاد المنتج والاستثمار الذكي. إن إعادة إطلاق عجلة التنمية في بعلبك لا تحتاج إلى شعارات جديدة، بل إلى فعل منظم وإدارة رشيدة تبدأ من خلق بيئة استثمارية جاذبة، عبر لجان ومجلس أمناء للمدينة يضم كبار المستثمرين، وأصحاب الخبرة في مجالات الإدارة والإنتاج والتنمية.
رأس المال، كما هو معروف، يتبع البيئة الاستثمارية الآمنة والجاذبة، وحيث يحل رأس المال يحل الازدهار، وحيث يكون الازدهار تكون دفة القيادة. من هنا، فإن الخطوة الأولى لاستنهاض بعلبك تبدأ من الداخل، من أبناء المدينة أنفسهم، لا من انتظار “المعونات” أو “الصدقات التنموية”.
إن استثمار أصول البلديات ومواردها وأملاكها وخدماتها يمثل مدخلًا عمليًا لإعادة بناء القدرات المالية المحلية، وزيادة الإيرادات البلدية، ورفع مستوى الخدمات العامة.
وعندما تتعزّز الموارد، يمكن توجيهها نحو مشاريع حقيقية تخلق فرص عمل جديدة، وتعيد الثقة بالاقتصاد المحلي، وتحدّ من هجرة اليد العاملة والكفاءات من الأرياف إلى المدن الكبرى.
هذه الرؤية تستند إلى أربع ركائز جوهرية:
- التمويل الذاتي بدل انتظار المساعدات الخارجية أو الهبات الموسمية.
- زيادة الإيرادات البلدية لتحسين الخدمات العامة والبنى التحتية.
- تحقيق التنمية الريفية المتوازنة وتعزيز الاقتصاد المحلي.
- الحد من هجرة الشباب والكفاءات عبر خلق فرص العمل والاستثمار.
إن الحل المستدام لبعلبك ليس في انتظار الصناديق السيادية أو الجهات المانحة، بل في بناء نموذجٍ تنمويٍّ محليٍّ يعتمد على الاستثمار الذكي والإدارة الفعالة للموارد المتاحة. فحين تتغيّر النظرة إلى البلدية من مؤسسة جباية إلى مؤسسة استثمار وتنمية، تبدأ النهضة الحقيقية.
بعلبك لا تحتاج إلى شفقة، بل إلى إرادة وعمل. هي قادرة أن تكون عاصمةً اقتصادية وثقافية وسياحية، فقط إن توحّدت الجهود، وقرّر أبناؤها أن يكونوا أمناء على تاريخها وصنّاعًا لمستقبلها.