ريما فارس – خاص الناشر |
لا يزال الشرق الأوسط يعيش تداعيات طوفان الأقصى. فبعد مرور سنتين على الحرب في غزة، لم يتمكن العدو الصهيوني من تحقيق أي خرق استراتيجي في معاركه ضد محور المقاومة. العدو يجدّد عدوانه تحت عناوين مختلفة: من “العربات” إلى “سيوف الحديد” إلى “النار”، محاولًا التمويه على شعبه والهروب من استحقاقات مفاوضات الأسرى.
يدرك الاحتلال معنى أن تستمر حربه على سبع جبهات كما يزعم، لكنه اضطر إلى وقف عملياته على جبهة الجنوب اللبناني بعد فشله في احتلال الأرض، فيما لا تزال غزة في أوج المواجهة رغم ما تتعرض له من إبادة جماعية. أما أميركا، فقد سبقت العدو نفسه في الإقرار بفشلها، حين اضطرت إلى وقف الحرب مع اليمن بعد عجزها عن فتح باب المندب أمام الملاحة الصهيونية، في وقت استمرت فيه القوات اليمنية باستهداف إيلات ويافا وغيرهما. ثم جاء إيقاف التصعيد مع إيران ليؤكد أن كل ما ادعته تل أبيب وحلفاؤها عن “جبهات مفتوحة” لم يُثمر أي هدف استراتيجي.
هذا التآكل انعكس مباشرة على الداخل الإسرائيلي: أزمة أمنية، سياسية، واقتصادية تضغط على كيان الاحتلال، وتدفعه إلى الاستعداد الدائم للحرب وكأنه لم يبدأها بعد. هو يعيش مأزقًا وجوديًا، فهل يعود إلى مواجهة لبنان وإيران واليمن ويفتح على نفسه أبواب جهنم؟ أم يستمر في حرب غزة إلى ما لا نهاية؟ أسئلة لا يملك العدو أجوبة مقنعة لها.
مراكز الدراسات الاستراتيجية، سواء في الغرب أو المنطقة، تخلص إلى خلاصة واحدة: العدو لا يملك القدرة على الحسم. ورغم ما توفر له من دعم عسكري وسياسي، إلا أنه عاجز عن فرض معادلة ردع جديدة مع محور المقاومة. وهنا تتبدّل موازين القوى بشكل غير مسبوق.
الولايات المتحدة، بدورها، تواصل دعمها لإسرائيل باعتبارها ذراعها المتقدمة في الشرق الأوسط. غير أن هذا الرهان لم يعد مضمونًا كما كان. فالدعم تحوّل إلى عبء ثقيل يكشف تناقضات السياسة الأميركية أكثر مما يعزز مكانتها. وقد نشرت صحيفة واشنطن بوست في 18 أيلول/سبتمبر 2025 أن نسبة متزايدة من الأميركيين ترى أن واشنطن تدعم إسرائيل بشكل مفرط في حرب غزة، إذ ارتفعت النسبة من 30٪ إلى 37٪ خلال عام واحد، خاصة بين الديمقراطيين والمستقلين. هذه الأرقام تُظهر بوضوح أن الرأي العام الأميركي بدأ يرى في الدعم غير المشروط لإسرائيل استنزافًا لا فائدة استراتيجية منه.
إذا كان العدو يظن أن إشعال الحروب يعيد إحياء مشروع “إسرائيل الكبرى” ويخدم المصالح الغربية في المنطقة، فإن التجارب الأخيرة أثبتت أن هذا الطريق لا يقوده إلى نصر، بل إلى مزيد من العجز. فقوى المقاومة اليوم تملك قدرات مواجهة أقوى مما كانت عليه في أي وقت مضى، مستفيدة من تحولات دولية متسارعة، من الصين وروسيا إلى المناورات البحرية الكبرى التي تؤكد أن الصراع لم يعد محصورًا بيد الغرب وحده.
إسرائيل اليوم أمام ضيق شديد في الخيارات. حروب غزة أنهكتها حتى النفس الأخير، وما ينتظرها في أي مواجهة مقبلة لن يكون أقل تكلفة أو استنزافًا. أما الولايات المتحدة، فإن استمرارها في الدعم لن يوقف هذا التدهور، بل قد يسرّع من تحوّل المشروع الصهيوني من ورقة قوة إلى عبء ثقيل على السياسة الأميركية في العالم، والغد لناظره قريب.