جيشنا لحماية الوطن وليس للأميركيين

ريما فارس – خاص الناشر |

في ظل التحولات السياسية الإقليمية والدولية، يبقى ملف بالغ الحساسية، ملف نزع سلاح المقاومة. هذا الملف، بدل أن يُطرح بهدوءٍ وطني جامع، يتحوّل في كل مرة إلى انقسام عمودي في المجتمع اللبناني، يطال حتى المؤسسة العسكرية نفسها، التي من المفترض أن تكون العمود الفقري لوحدة البلاد.

السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه: هل المطلوب فعلًا حماية لبنان، أم تفكيكه؟ وهل نزع سلاح المقاومة في ظل غياب استراتيجية دفاعية وطنية شاملة يصب في مصلحة الاستقرار، أم في مصلحة مشاريع خارجية لا تخفي عداءها للمقاومة وسلاحها؟ البعض يروّج لفكرة أن الجيش وحده يجب أن يحمل السلاح. نظريًا، هذا الطرح مشروع في أي دولة ذات سيادة. لكن هل نحن فعلًا في ظل دولة قادرة؟ هل لدينا جيش ممكَّن بالكامل؟ هل تقبل الدول الداعمة للمطالبة بنزع السلاح، أن يُسلّح الجيش بنفس نوعية سلاح المقاومة؟ الازدواجية واضحة، والأجندة ليست خافية.

لقد أثبتت التجربة أن الجيش والمقاومة والشعب يشكلون معًا ثلاثية حمت لبنان في محطات مصيرية، من الاحتلال الإسرائيلي إلى الإرهاب التكفيري. واليوم، محاولة زرع الشقاق بين الجيش والمقاومة، هي محاولة لضرب هذه المعادلة. من الناحية الاجتماعية، من الضروري الاعتراف بأن غالبية عناصر الجيش اللبناني يأتون من طوائف متعددة، ومنها الطائفة الشيعية، وهي الطائفة نفسها التي تحتضن المقاومة. كيف يُعقل أن يُطلب من جندي أن ينزع سلاح “أخيه” أو ابن منطقته أو طائفته، في ظل هذا الانقسام السياسي والمذهبي؟ أليس هذا زرعًا لفتنة داخل الجيش نفسه؟

الأخطر من ذلك، أن ما جرى في الجلسة الحكومية الأخيرة يعطي مؤشرًا واضحًا على خطورة الانقسام الذي يُراد فرضه. عندما دخل قائد الجيش إلى قصر بعبدا، انسحب الوزراء الشيعة، وهذا ليس مجرد موقف عابر، بل رسالة واضحة أن الثنائي الشيعي ما زال يعتبر أن حماية لبنان تبدأ من التفاهم لا من الفرض، ومن الشراكة لا من العزل. الثنائي لم ينسحب لأن القائد دخل، بل لأن هناك من يحاول القفز فوق التفاهمات الوطنية وفرض خيارات لا تُبنى على وحدة الصف بل على الانقسام. والخروج من الجلسة كان موقفًا عالي الدلالة، يؤكد أن الثنائي، رغم كل ما يُقال، أحرص على وحدة البلد من الذين يزايدون عليه يوميًا بشعارات السيادة.

حين يُطرح نزع السلاح بهذه الطريقة المتعجلة والمسيّسة، دون توافق وطني شامل، فإن ما يُفتح فعليًا هو باب الفتنة لا باب الدولة. ولنكن واضحين: إذا اشتعلت الفتنة الداخلية، فلبنان كله سيكون على شفير الهاوية. في لحظة الانفجار، لن يصمد أحد. رئيس الجمهورية سيضطر للاستقالة لأن البلد سيتفكك أمام عينيه، ورئيس الحكومة سيهرب إلى الخارج، كما هرب غيره في لحظات الانهيار. أما الشارع، فسيتحوّل إلى ساحة صراع دامٍ، لا يرحم أحدًا، وسيدفع ثمنه الشعب أولًا. من يظن أن الفوضى ستحصر نفسها بين المقاومة والدولة، واهم. الدم حين يُسفك في لبنان، لا يعرف طائفة ولا حزبًا. ومن يشعل الفتنة لن يقدر على إخمادها.

الجيش اللبنانيالمقاومةلبنان