د. أكرم شمص – خاص الناشر |
أكتب هذه الكلمات لا من باب الشكوى الفردية، بل من منطلق الحرص على أن تبقى زيارة الأربعين مناسبة تليق بمكانتها الروحية والحضارية، لا موسمًا يتكرر فيه النزيف من الفوضى والاستغلال.
لقد تحوّلت رحلة الأربعين، بالنسبة إلى آلاف اللبنانيين، من تجربة إيمانية خالصة إلى معاناة تبدأ من شراء التذاكر ولا تنتهي إلا بعد العودة. والتذاكر تُباع بلا مواعيد واضحة، والمكاتب غير المرخّصة تعيث فوضى، والأسعار تُحدّد بلا معيار ولا سقف. النتيجة أنّ الزائر يُترك وحيدًا أمام سوق سوداء مفتوحة على مصراعيها، فيما تغيب الدولة اللبنانية عن واجبها في وضع آلية واضحة تُنظّم هذه الرحلات.
وإذا كان من الواجب مطالبة الدولة اللبنانية، وفي طليعتها وزارة الأشغال والنقل، والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، بتأسيس لجنة رسمية على غرار “هيئة شؤون الحج” لضبط المكاتب، ومنح التراخيص، وتحديد آليات السفر، فإن المسؤولية تقع أيضًا على عاتق وزارة النقل العراقية والمديرية العامة للطيران. فالأسعار لم تكن “سوقًا سوداء” بل أُعلنت رسميًا ابتداءً من 500 دولار وصولًا إلى 515 و525 و550 وحتى 580 دولارًا، من دون أي معايير واضحة، في حين أنّ بعض التذاكر على الرحلات الإضافية وُزّعت بما يقارب 300 دولار فقط. هذا التناقض الصارخ يتطلب تحقيقًا شفافًا: من الذي وحّد الأسعار بهذه الطريقة؟ ولمصلحة من جرى ذلك بينما الوزير نفسه نفى وجود أي زيادة؟
الأدهى أنّ غياب الشركة الوطنية (الميدل ايست) أو تعطل بعض الطائرات -لأسباب معلنة أو مجهولة- فتح الباب واسعًا أمام هذا الاستغلال، فاستفاد آخرون من الفراغ برفع الأسعار دون حسيب أو رقيب. وهكذا وجد الزائر نفسه محاصرًا بين الفوضى هنا والابتزاز هناك.
إننا لا ننتقد لمجرّد الانتقاد، بل نرفع الصوت لنطالب بحلول واضحة:
•تنظيم السفر عبر لجنة لبنانية رسمية تحت إشراف وزاري ومؤسساتي.
•فتح تحقيق عراقي شفاف حول التسعير وكيفية وصوله إلى أرقام خيالية.
•ضبط المكاتب والدخلاء ومنع الاستغلال الذي ينهك الزوار عامًا بعد عام.
لقد انتهى الموسم، لكن الأسئلة لم تنتهِ، والمعاناة لن تُمحى من ذاكرة الزوار. ونكتب اليوم بصدق وبمحبة، كي لا يتكرر المشهد ذاته في العام المقبل. إنّ زيارة الأربعين أكبر من أن تُختزل في فوضى تذاكر أو مزاج موظف؛ هي مسؤولية مشتركة بين دولتين، ويجب أن تُدار بما يليق بقدسيتها ومكانتها.