عن منابر التحريض العقيم!

لم يترك أعداء المقاومة ورقة لديهم إلّا واستخدموها في سياق حربهم الشعواء على السلاح الحامي للأرض ولكرامة الإنسان. وما عجز العدو الصهيوني وخلفه الولايات المتحدّة الأميركية عن تحقيقه بأطنان المتفجرات والمجازر المتنقلة والاغتيالات المتواصلة، بات اليوم هدفًا يبتغي تحقيقه بالسياسة من ناحية، وبالحملات الإعلامية المتتالية والمتواصلة: تحريض وتضليل وتشويه وتنميط وكذب واتهامات وعزل وتغريب. رغم ذلك، لم تلفظ الأرض المقاومة، ابنة ترابها، ولم يتخلّ أهل الشرف الرّفيع عن سلاحهم، ولن. ولذلك، يتسلّح العدوّ اليوم بخناجر الطائفية والمذهبية، في سبيل تصوير الصراع القائم على أنّه صراع طائفي أو مذهبي، وليس صراعًا نموذجيًا بين الخير كلّه والشرّ كلّه.

في الحقيقة، عجز الأميركي طوال سنوات عن تأجيج صراع مذهبي طائفيّ في لبنان، على الرغم من توظيفه للكثير من الأدوات والمسائل الفتنوية في سبيل تحقيق هذا المسعى. وفي هذا السياق كان اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري كما سلسلة الاغتيالات التي طالت شخصيات لبنانية مختلفة، بعد أن صار مفهوم “الاتهام السياسي” مسوّغًا لتصويب الاتهام نحو حزب الله بخلفيات طائفية ومذهببة. عضّ الحزب على الكثير من الجراح التي أصابته في السّاحة الداخلية اللبنانية ومنها جرح خلدة وجرح الطيونة وغيرهما، في سبيل منع الانزلاق إلى فتنة طائفية أو مذهبية يُراق بها دم الناس هدرًا ولا تخدم سوى الأميركي والإسرائيلي.

في السياق نفسه، تحمّلت المقاومة أعلى درجات التحريض ضدّها من على المنابر العاملة في خدمة الأميركي تحت مسميّات مختلفة دينية وسياسية وحتى ثقافية واجتماعية، ولم تسمح لمنابرها أن تنزلق إلى ردود وخطابات ومفردات تماثل ما يُرتكب ضدّها وضدّ أهلها ومجتمعها. وبذلك كلّه، فشلت كل محاولات “مذهبة” المقاومة رغم العمق الأيديولوجي الذي يمثّله حزب الله، وثبُت للعدوّ قبل الصديق أن بيئة المقاومة تشمل عدد كبيرًا من الأفراد المنتمين إلى مختلف التشكيلات الطائفية والمذهبية والثقافية والسياسية، تشمل كلّ قلب عرف الحقّ وكلّ عقل أدرك معنى الارتقاء الانساني والشرف الوطني.. تشمل كلّ من اختار أن يخدم في معسكر المقاومة بقلبه أو بلسانه أو بأدواته الفكرية والعملية والعلمية أو بماله.. وأن ما يجمع أفراد هذه البيئة هو الإيمان بالحقّ والالتفاف حول الكرامة الإنسانية والدفاع عن الأرض والناس، ومعاداة كلّ ما يمسّ بهذه الخطوط الأساسية التي لا يمكن المساومة عليها تحت أيّ ظرف.

إذًا، باءت محاولات مذهبة المقاومة وعزل أهلها بمعيار مذهبي وطائفي بالفشل، إذ لم ينجح الأميركي في صناعة فتنة رغم عمله الدؤوب على حصار بيئة المقاومة وعزلها باستخدام الشعارات المذهبية والطائفية الإلغائية والتحريضية. في أيلول ٢٠٢٤، حين اتسّع العدوان الإسرائيلي وتسبّب بموجة نزوح كبيرة من الجنوب والبقاع والضاحية، أدرك الأميركي ومعه أدواته أن سنين التحريض الطائفي والمذهبي وكلّ ما تخللها من مشاريع وتمويلات قد ذهبت سُدىً. فاحتضان كافة الطوائف والمذاهب والمناطق للنازحين شكّل صفعة على وجه المنابر الفتنوية التي كانت قد بُحّت أصواتها في التحريض ضد أهل المقاومة وفي محاولة عزلهم واستهدافهم بشعارات إلغائية ذات بُعد مذهبي، أو طائفيّ.

اليوم، وفيما الصراع السياسي يبلغ أوجَه بين حكومة تأتمر بالأمر الأميركي، بدون نقاش، ومجتمع يرفض أن يُذبح وأن يُجرَد من كرامته وقدرته على الدفاع عن كلّ لبنان، احتشدت المنابر الداعية للفتنة والمحرّضة مذهبيًّا وطائفيًّا ضدّ المقاومة. وبتنسيق تام فيما بينها، ركّزت على كل ما يمكن له أن يثير الغرائز الطائفية والمذهبية ضدّ المقاومة وأهلها. هذه المنابر التي لا تستحي من إنكار كل تضحيات المقاومة التي لم تكن يومًا حِكرًا على طائفة أو مذهب، ولا تخجل من الإصطفاف المذل في طابور الاستجابة للأوامر الأميركية باتت تستخدم المصطلحات والمفردات والأدبيات الأكثر تطرّفًا في التعبير عن حقدها على الفئة التي تقول لا للأميركي. الفئة التي بات تمسكها بشرفها وشرف الأرض تهمة! الفئة التي ما صوّبت يومًا بندقيّتها إلّا ناحية العدو، وتعالت في كلّ السنين عن كلّ كلام تناولها بسوء أو بتحريض.

ختامًا، ستنتهي هذه الجولة التحريضية المشتعلة كسابقاتها، ولن يحصد فاعلوها بكلّ مستوياتهم إلّا الخيبة التي اعتادوا حصادها، فالحقائق الساطعة لا تُخفى بالثرثرات، ولكن، بات من المخجل والمؤسف في آن، أن يرى المرء ويسمع، “رجالًا” تكذب على المنابر المكرّمة باسم الدين وباسم البلد.