بين الحقيقة والهوى السياسي: عن “تصدير الثورة” وتوهمات نواف سلام

في تصريح أثار موجة من التعجب، خرج رئيس الحكومة نواف سلام ليعلن أن “عصر تصدير الثورة الإيرانية قد انتهى”، ملوّحًا بشعارات “استعادة سيادة الدولة” و”رفض السلاح خارج سلطتها”، ومتبنيًا، بوعي أو بغيره، سردية مستهلكة كتبها الإعلام الغربي قبل عقود، وروّج لها خصوم المقاومة في الداخل والخارج.

ولكن دعونا نطرح السؤال البسيط والواضح: ما هي ملامح الثورة الإيرانية التي “صُدّرت” إلى لبنان؟
وأين هي الدولة الثورية البديلة التي أُقيمت؟ وهل عاش اللبنانيون في ظل نظام ولاية فقيه مفروض؟

الواقع كما هو
لم تكن هناك “ثورة مصدّرة” إلى لبنان، بل كان هناك دعم مباشر لشعبٍ تحت الاحتلال، ومساندة لقوى مقاومة وجدت نفسها يتيمة أمام العدوان الصهيوني عام 1982، حين كانت الجيوش العربية تصفق للانكفاء، وكان الغرب يحمي دبابات الاحتلال.

الثورة الإسلامية في إيران، بمواقفها ومبدئيتها، ألهمت المستضعفين، نعم، ولكنها لم تفرض وصاية ولا نظامًا سياسيًا. والدليل أن حزب الله -وهو التجسيد الأبرز لهذا التأثير- لم يفرض على أحد فكرًا ولا هوية، بل التزم بقواعد النظام اللبناني، وشارك في حكومات ما بعد الطائف، ولم يُلغِ أحدًا رغم امتلاكه قوة ردع يُحسب لها ألف حساب.

ولكي لا تُبتذل المصطلحات، من الضروري توضيح أن عبارة “تصدير الثورة” ارتبطت بخطاب الثورة الإسلامية الإيرانية بعد انتصارها عام 1979، وتحديدًا في كلام الإمام الخميني، لكنّها لا تعني فرض الثورة أو التدخل العسكري المباشر، بل كان المقصود منها -بحسب الوثائق الرسمية وخطابات قادة الثورة- نشر النموذج الثوري الإسلامي، وبثّ روح المقاومة والوعي، ودعم المستضعفين في العالم، لا سيما في وجه الأنظمة التابعة للاستكبار العالمي.

وقد شدد الإمام الخميني مرارًا على أن: “تصدير الثورة لا يعني غزوًا عسكريًا أو تخريبًا، بل هو نقل القيم والوعي”.
(صحيفة الإمام، ج 12، ص 128). والواقع أن ما جرى في لبنان هو بالضبط هذا المعنى: قوة معنوية ألهمت فكر المقاومة، وسند سياسي وعقائدي لقوى اختارت أن تقاتل، لا أن تساوم. فحزب الله لم يولد في طهران، بل في النبطية والضاحية والبقاع، من رحم شعب مقاوم، لا من مراكز أبحاث تصدير الثورة.

أما نواف سلام، فبدلًا من أن يسأل عن غياب الدولة في الكهرباء والدواء والقضاء، يتفرغ لمهاجمة ما تبقى من كرامة وطنية ممثلة بسلاح ردع وحيد في وجه “إسرائيل”، ذلك السلاح الذي لم يُشهر يومًا في وجه اللبنانيين، بل حرّر الأرض، وحمى الحدود، ورفع رأس الوطن عاليًا يوم انحنت العواصم أمام التطبيع، ويتحدث عن “استعادة الدولة” وكأنها ضائعة فقط في الجنوب، متغاضيًا عن ملف الأموال المنهوبة، وأرواح الناس المنهكة، وخراب المؤسسات، رافعًا شعار “محاربة الفساد” دون أن يُباشر بأي محاسبة فعلية، ولا حتّى على مستوى التحقيق الرمزي أو رفع الغطاء عن كبار الفاسدين. فكيف تُؤخذ خطب السيادة على محمل الجدّ، حين تكون أولى معارك السيادة هي ضدّ من دافع عنها، لا ضد من تخلى عنها؟

وأخيرًا نقول: من يروّج لخرافة “تصدير الثورة” هو إما جاهل بالتاريخ، أو مضطر سياسيًا لمغازلة الخارج.
أما اللبنانيون الأحرار، فقد عرفوا منذ زمن أن الثورة الحقيقية هي أن تقول “لا” حين يطلبون منك الركوع.