“حسن السلوك” يودي بحقّ الضحية!

المسألة ليست قضية “نسويّة” ولا تحتمل ذرّة من التسطيح والتفاهة التي تتصف بها نسويات فرن الإن جي أوز في توصيف الأمور. المسألة تتعلّق بقوانين ظالمة لم تُصحّح، وبأحكام لا تردع قاتلًا ولا تنصف ضحية، وتتعلّق بإنسانية قاضٍ يتعاطى النصّ القانوني الجامد ويغفل أن بين النصّ والقضية هناك مجال متاح لتقدير القاضي، أي لإنسانيته، لواجبه الأخلاقي تجاه الضحية ومن يحيط بها من ضحايا غير مباشرين، من ضحايا مستمرّين كطفليْ لطيفة اللذين عادا ليجدا أمهما جثة والقاتل أبوهما، كأهل لطيفة الذين دفنوا تحت التراب قطعة من قلوبهم شاء القاتل أن يسلبها حقّ الحياة.

لا معنى للعدل بدون الإنصاف، وبالتالي لن يكون من العدل أن يخرج القاتل ليزاول حياته بشكل طبيعي فيما حُرمت القتيلة من الحياة وحُرم أهلها وطفلاها من حياة طبيعية، ولا معنى لتأهيل “المجرم” وحسن سلوكه ما دام إجرامه وسوء سلوكه السابق قد خلّفا ضحايا لن يستعيدوا يومًا مسار حياتهم الذي حوّلته الجريمة إلى قبر وقلوب كالجمر تحترق أمامه، ولا معنى للقوانين والأحكام إن لم تحقّق عنصر الردع عن الجرائم المماثلة؛ فالوظيفة الأولية لكلّ قانون ولكلّ حكم قضائي لا تتعلّق بشخص المجرم ولا بشخص الضحية بقدر ما تتعلق بالمجتمع وحمايته.

السؤال المشروع الآن والذي يضع القضاء أمام مسؤولية حقيقية: كم مشروع قاتل سيجد حافزًا لتنفيذ القتل ما دامت العقوبة عبارة عن سنين قليلة يقضيها القاتل في السجن ويخرج بعدها بغليل شُفي ويكمل حياته وكأن ما اقترفه مجرّد خطأ اعتذر عنه ومضى؟ وكم أهل ضحية سيفقدون ثقتهم بأن لهم حقّ الانتقام لمن صاروا تحت التراب من أحبابهم لأن القضاء لم ينصفهم؟

تعالوا لنقترب أكثر من حكاية “لطيفة قصير” وقاتلها، السيّدة التي قُتلت ظلمًا وغدرًا ومع سبق الإصرار. ندرك جميعًا أنّها لن تعود إلى الحياة حتى ولو تمّ إعدام قاتلها. لكنْ ما معنى موتها وكلّ عذابات طفليها المهدّدين بالعودة إلى حضانة قاتل أمّهما؟ كيف يمكن لعقل أو لقلب أن يحتمل هذا القدر من الظلم المتواصل؟ لقد قتل هذا الرجل أمّهما، وبعد حين سيمكن للجميع رؤيته متمشيًا في الشارع، متنعمًا بحرية التنقّل وربما بحريّة الإيذاء مرة جديدة، والحجة؟ حسن السلوك في السجن!

القرار الذي يخفّف عقوبة المجرم في قضية مماثلة وإن اعتمد نصًّا قانونيًا يتيح التخفيف، هو يرتكب عمليًا جريمة بحق الضحايا الأحياء، ويظلم بإخلاء سبيل المجرم من سيقضون حياتهم كلّها خلف قضبان القهر والحزن والفقد والاضطراب، من دون أن يلتفت أحد إلى سلوكهم وحسنه. فعلى ما يبدو، وحدهم المجرمون يتمتعون برفاهية مقايضة السلوك الحسن بحياة حرّة، أمّا الضحايا، فلا القضاء ينصفهم، ولا سلوكهم الحسن يحميهم من بطش المجرمين ومن سوط تخفيف الأحكام.

لطيفة انسان قُتل عمدًا. طفلاها تلقيا اليتم صدمة مرئية وملموسة. تلقيا خبر وفاة أمهما عبر التماس المباشر معها وهي جثة نازفة في البيت.
أهلها ثُكلوا وفُجعوا وتألموا وعانوا.
جيرانها. زملاؤها. أحبتّها.
كلّ هؤلاء هم ضحايا لمجرم واحد، سيِخلى سبيله لكونه “حسن السلوك” داخل السجن. للظلم ألوان كثيرة، وأظلمها ذاك الذي يأتي مدعّمًا بنصّ قانوني أو تقدير القضاء!

اساسيالقضاءمجتمع