هي جملة ما زالت تتردد على آذاننا منذ خمسة عشر عامًا، منذ انتصار تموز، حين وقفت الحاجة كاملة سمحات ذات الـ ٧٨ سنة من المقاومة والصمود، المرأة المقاومة بمالها وبيتها ولسانها، وصرخت “مش هيدا بيتي راح؟ فدا إجر المقاومة، ومش بيتي بالضيعة راح، فدا إجرها للمقاومة”. تحت القصف، وفي أكثر بقاع لبنان المهدّدة من “إسرائيل” على أرض الضاحية الجنوبية، عزّزت الحاجة كاملة من ساحات المواجهة، بطريقتها الخاصة، وجعلت من صبرها أيقونة يُحتذى بها.
فالمقاومة حينها، في حرب تموز ٢٠٠٦، لم تحقّق انتصارًا عسكريًّا ونفسيًّا واستراتيجيًّا فقط، ولم تُسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد في ٦ دقائق لأسر جنديين إسرائيليين فحسب، بل أظهرت وفاءً لم يُشهد له مثيل في المنطقة قط، كوفاء بيئة المقاومة وصمود أفرادها، وخاصّة النساء منهم.
يصرخ اللّبناني هتافات التأييد والنصر عند نشوة الحصول على المال أو اعتلاء المناصب أو الحصول على “كلمة حلوة” من أحد الزعماء الذين تطول لوائح أسمائهم، أما في هذه البيئة، فتُسمع هتافات العزّة عند فقد فلذات الأكباد، واعتلاء الشهداء مراتبهم العليا في الجنّة أو عند تدمير البيوت وسفك الدماء في سبيل خط الجهاد ومقاومة “اسرائيل”. وكل هذا يأتي نتيجةً للتربية المقاومة التي تقدمها نساء وأمهات هذه البيئة. فالمرأة منّا هنا، في بيئة المقاومة، تقاوم بكل ما أوتيت من قوّة، فيولد منها الرجال مقاومين قبل النطق ببنت شفة بفضل ما يقتاتونه من عزّةٍ وإباء وهم في أرحام أمهاتهم المجاهدات.
لقد شكّلت الحاجة كاملة نموذجًا واضحًا للمرأة المقاومة وأظهرت مدى صدق ووفاء أفراد هذه البيئة، واستعدادهم للتضحية بأنفسهم وأولادهم وبيوتهم وأموالهم في سبيل هذا النهج المقاوم، في الشدّة والحرب قبل الرخاء والسلم.
فهؤلاء النساء اللواتي أُعفينَ من الجهاد على الجبهة العسكرية بأمرِ إلهيّ، قد أوجدن لأنفسهن ساحات قتال أُخرى في المنزل والديار، على شرفات المنازل، مع الشيوخ والصغار. تجاهد المرأة هنا بأشكال مختلفة تبدأ باختيارها المنمّق للزوج الصالح الذي يحمل اسم اللّه وأوليائه قولًا وفعلًا في سلوكه وأخلاقه ويحفظ المقاومة وشعبها بكل ما لديه. أما التربية، فتلك ميدان المرأة الحقّ. تجسّد النساء هنا بصبرهنّ صبر السيدة زينب عليها السلام التي لم ترَ إلّا جميلًا بعد أن فقدت جميع أهل بيتها من أولاد وأهل وإخوة قربانًا للحقّ والقضية. تستقبل الأمهات منّا الشهداء من أبنائهن بالورد والزغاريد من على شرفات المنازل، فهذه الشرفات أيضًا هي ساحات قتال ومواجهة. ذلك العدوّ الذي أرهب المنطقة والعالم بجيش احتلاله، وعديده وعتاده، ترهبه زغرودة أم شهيد و”هيهات منّا الذلّة” من عجوزٍ كبير.
قد يتعجّب المرء منّا، من أين لتلك القوة أن تأتي؟ من أين لقلبٍ مفجوع أن ينثر الورود ويصدر الزغاريد؟ إنه قلب حبيبات زينب ومن اخترن السير على دربها ودرب أخيها.
“فدا إجر المقاومة” نقدّم الدماء والأهل والأموال كي لا ينال من عزّنا أحد، كي يبقى الجنوب والبقاع، كي نحميَ الحدود في الشمال ولا تصل دبابات “الاسرائيلي” إلى بيروت مجدّدًا، وكي لا يجرؤ على قصف الضاحية أيّ عدوّ عاتٍ.
فدا إجر المقاومة، والسيد، ببركة دماء الشهداء وصبر أمّ عماد، بصمود كاملة سمحات وزغاريد أمهات الشهداء.