جولةٌ أخرى في أستانا من أجل السلام في سورية.
هي المحاولة السادسة عشرة لحل الأزمة السورية سياسياً من خلال اجتماع عقد في العاصمة الكازاخستانية بين أطراف النزاع الإقليميين والدوليين.
رغم تأكيد الدول الضامنة وهي (إيران وروسيا وتركيا) في بيانهم الختامي على الالتزام الثابت بسيادة سورية واستقلالها ووحدة أراضيها إلا أن أطماع تركيا بالأراضي الحدودية معها وأميركا بالنفط السوري في الشمال الشرقي حال دون قدرتهم على إخفاء نوايا التقسيم التي فاحت رائحتها خلال مناقشة أكثر الملفات الشائكة التي كثر الجدل حولها وهي ملف المساعدات الإنسانية الذي يعتبر المنفذ الوحيد لتركيا للاستمرار في دعم المجموعات المسلحة التابعة لها وإمدادها بالمال والسلاح عبر المعابر الحدودية تحت ما يسمى المساعدات الإنسانية للمدنيين بهدف إطالة أمد الأزمة وصولاً إلى التقسيم وبسط نفوذها بشكل كامل ورسمي على المناطق التي تخضع لسيطرتها.
ولم يعد خافياً على أحد ما تقوم به تركيا من محاولات التتريك الممنهجة في تلك المناطق من تغيير أسماء بعض القرى والساحات والتعامل بالعملة التركية وفتح الجامعات التابعة لها والسجل المدني الخاص بها وفرض اللغة التركية. كل ذلك يأتي تمهيداً لفصل تلك المناطق عن الجغرافية السورية وجسد الدولة.
إن القاسم المشترك الأبرز في اجتماع أستانة 16 وكل الأستانات التي سبقتها التأكيد على عدم وجود حل عسكري للصراع في سورية رغم أن السبب الرئيسي لكل اجتماع دولي من أجل سورية سواء في أستانا أو غيرها هو فشل المجموعات المسلحة التابعة لدول العدوان على سورية في إحراز أي تقدم عسكري على الأرض.
فيما يتعلق بمواصلة التعاون بين الدول من أجل القضاء على داعش وجبهة النصرة وهيئة تحرير الشام والمجموعات المسلحة الأخرى التابعة لتنظيم القاعدة، فليس غريباً أن يحدث مثل هكذا اتفاق وإن كانت تلك التنظيمات الإرهابية هي في مجملها صناعة وتمويل دول الاستكبار وعلى رأسها أميركا وذلك باعترافاتهم، فإن الذريعة الوحيدة لأميركا من أجل إبقاء تواجدها ونفوذها شمال شرق سورية ودعمها لقوات سورية الديمقراطية (قسد) هي زعمها محاربة داعش.
في النهاية ما من عمل جاد جديد في اجتماع أستانة 16 يختلف عن سابقاتها. وأعتقد أن دول العدوان على سوريا المتمثلة بتركيا وأميركا مستمرة ببذل جهودها من أجل تحقيق أطماعها في بسط سيطرتها وتسلطها على الأراضي السورية التي احتلتها واستغلال مواردها وخيراتها. هذا ما تؤكده ممارستها في الميدان وإن تعارضت مع تصريحاتها في أروقة السياسة. وأرى من جانب آخر أن معطيات الواقع تنبئ ببروز مقاومة شعبية قادرة على اتخاذ موقف عملي معاند لمحاولات الابتزاز والانفصال والتقسيم ونهب الثروات النفطية التي تؤثر بشكل سلبي كبير على الواقع الاقتصادي والمعيشي في البلد.