د. محمد حسن سويدان – مونوجيت داس* – الناشر |
في 17 أغسطس 2024، أعادت الهند التأكيد على التزامها الثابت بالمساعدات الإنسانية من خلال إرسال شحنة كبيرة تبلغ حوالي 1400 كيلوغرام من الأدوية المضادة للسرطان إلى سوريا. وتؤكد هذه البادرة، التي تنبع من مبدأ التضامن العالمي، على صداقة الهند الدائمة مع سوريا، على الرغم من المشهد السياسي المعقّد والعقوبات التي فرضها الغرب على البلاد. وتشكّل هذه الخطوة استمرارًا لدعم الهند الإنساني المستمر لسوريا، والذي ظل ثابتًا حتى في مواجهة الضغوط الدولية.
العلاقات الهندية المستمرة مع سوريا
لقد كانت الهند وسوريا تاريخيًا تربطهما علاقة وثيقة وودية، مبنية على روابط ثقافية وشعبية عميقة الجذور. وحتى مع تحمل سوريا لأكثر من عقد من الحرب، كان التزام الهند بالشعب السوري ثابتًا. ظلت السفارة الهندية في سوريا تعمل طوال الصراع، لتعبّر عن أهمية الحفاظ على العلاقات الثنائية حتى في أكثر الأوقات تحديًا.
إن إرسال الأدوية المضادة للسرطان مؤخرًا ليس سوى واحدة من العديد من الحالات التي مدّت فيها الهند يد العون إلى سوريا. وتزداد أهمية هذه الشحنة بشكل خاص بسبب حقيقة أنها تأتي في وقت تكافح فيه سوريا الصراع المستمر والتأثير المدمر للعقوبات الغربية. لقد قيّدت هذه العقوبات بشدة تدفق السلع الأساسية والإمدادات الطبية إلى البلاد، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية. ومع ذلك، فإن تصرّفات الهند تثبت أن المساعدات الإنسانية تتجاوز الاعتبارات السياسية، وتجسد روح “Vasudhaiva Kutumbakam” – العالم عائلة واحدة.
المساعدات الإنسانية الهندية عبر السنين
إن دعم الهند لسوريا ليس ظاهرة حديثة. على مر السنين، قدمت الهند باستمرار مساعدات إنسانية، تتراوح من الإمدادات الغذائية إلى المساعدات الطبية ومبادرات بناء القدرات. في فبراير 2021، استجابة لطلب من الحكومة السورية، قدّمت الهند 2000 طن متري من الأرز للمساعدة في تعزيز الأمن الغذائي في سوريا، وهو أمر ضروري في ظل النقص واسع النطاق في الغذاء وسوء التغذية.
بالإضافة إلى المساعدات الغذائية، قدّمت الهند أيضًا دعمًا طبيًا بالغ الأهمية. في يوليو 2020، في ذروة جائحة كوفيد-19، أرسلت الهند 10 أطنان مترية من الأدوية إلى سوريا كجزء من جهودها العالمية للمساعدة في مواجهة كوفيد-19. كما نظّمت البلاد معسكرًا للتجهيزات الطبية في دمشق في عام 2020، حيث استفاد أكثر من 500 سوري من الأطراف الاصطناعية. وتؤكد هذه المبادرات على نهج الهند الشامل للمساعدات الإنسانية، والذي يعالج كل من الاحتياجات الفورية وبناء القدرات على المدى الطويل.
وعلاوة على ذلك، قدمت الهند الدعم التعليمي للشباب السوري من خلال برامج المنح الدراسية. بين العامين الدراسيين 2018-2019 و2019-2020، قدمت الهند 1000 منحة دراسية للطلاب السوريين لمواصلة التعليم العالي في الجامعات الهندية، بالإضافة إلى ذلك، قدمت الهند أيضًا تدريبًا متخصصًا من خلال برنامج التعاون الفني والاقتصادي الهندي. إن هذا الاستثمار في التعليم هو انعكاس لما تراه الهند من ضرورة لتمكين الجيل القادم من السوريين لإعادة بناء وطنهم.
عملية دوست وما بعدها: دعم الهند المستمر
في فبراير 2023، عندما ضرب زلزال مدمر شمال غرب سوريا وتركيا، كانت الهند من بين الدول الأولى التي استجابت. وفي إطار مهمة المساعدة الإنسانية، عملية دوست، أرسلت الهند ستة أطنان من مواد الإغاثة الطارئة إلى سوريا. وشمل ذلك معدات الحماية والأدوية الطارئة وأجهزة تخطيط كهربية القلب وغيرها من الإمدادات الطبية الأساسية. وسلّطت الاستجابة السريعة الضوء على استعداد الهند لمساعدة سوريا في أوقات الكوارث الطبيعية، مما عزّز الروابط بين البلدين.
وقد أشاد المسؤولون السوريون بجهود الهند، الذين أعربوا عن امتنانهم العميق للمساعدة. وصرّح السفير السوري في الهند، بسام الخطيب، بأن دعم الهند يجسّد التضامن بين بلدان الجنوب – وهو مفهوم يؤكد على التعاون بين البلدان النامية في الجنوب العالمي. وقد ردد هذا الشعور العديد من أفراد المجتمع الدولي الذين أدركوا موقف الهند المبدئي المتمثل في تقديم المساعدة بغض النظر عن العقوبات التي فرضتها القوى الغربية على سوريا.
في وقت سابق في مارس 2021، أثناء الجائحة العالمية، حثت الهند المجتمع الدولي مرة أخرى على تخفيف العقوبات على سوريا، مؤكدة على أنه لا ينبغي إعاقة المساعدات الإنسانية باعتبارات سياسية. وكان هذا النداء متوافقا مع دعوة الهند الراسخة إلى مبدأ مفاده أن المساعدات الإنسانية يجب أن تُسلَّم دون تمييز أو تسييس أو شروط مسبقة.
موقف الهند ضد العقوبات: خطوة لدعم سوريا
لقد خلقت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول غربية أخرى على سوريا عقبات كبيرة أمام إيصال المساعدات الإنسانية. وقد أدّت هذه العقوبات، التي تهدف إلى الضغط على الحكومة السورية، إلى تفاقم معاناة السوريين العاديين، والذين يعانون بالفعل من أعباء الصراع المستمر. وأصبحت السلع الأساسية، بما في ذلك الإمدادات الطبية، نادرة، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية.
ومع ذلك، عارضت الهند باستمرار استخدام العقوبات كأداة تعوّق الجهود الإنسانية. ومن خلال الاستمرار في تقديم المساعدات إلى سوريا، أثبتت الهند أنها تعطي الأولوية للملفات الإنسانية على الأهداف السياسية في سوريا. إن إرسال الهند مؤخرا لأدوية مضادة للسرطان يشكل إشارة واضحة إلى التزام الهند بضمان حصول الشعب السوري على الرعاية الطبية التي يحتاجها، على الرغم من التحديات التي تفرضها العقوبات الغربية.
ويتضح هذا الموقف بشكل أكبر من خلال مشاركة الهند في المنتديات العالمية، حيث دعت إلى رفع العقوبات التي تعوّق تدفق المساعدات الإنسانية إلى سوريا. إن تصرفات الهند بمثابة تذكير قوي للمجتمع الدولي بأن الإنسانية يجب أن تأتي قبل السياسة، وخاصة في أوقات الأزمات.
الطريق إلى الأمام: التزام الهند المستمر تجاه سوريا
مع استمرار سوريا في التعامل مع تحديات الصراع والعقوبات والكوارث الطبيعية، تظل الهند حليفًا ثابتًا. إن الشحنة الأخيرة من الأدوية المضادة للسرطان هي استمرار لتقليد طويل الأمد من الدعم الذي قدمته الهند لسوريا. إن هذا الدعم لا يقتصر على المساعدات المادية، بل يشمل أيضا المبادرات الرامية إلى إعادة بناء رأس المال البشري في سوريا، مثل المنح الدراسية وبرامج بناء القدرات، والتي يمكن أن تمتد إلى التدريب في مجالات حاسمة مثل دورات إدارة الكوارث. إن التزام الهند تجاه سوريا هو شهادة على سياستها الخارجية الأوسع نطاقا، والتي ترتكز على مبادئ عدم التدخل والاحترام المتبادل والتضامن العالمي. وفي حين يتصارع المجتمع الدولي مع تعقيدات الأزمة السورية، تبرز تصرفات الهند كطرف داعم إنسانيًا لدمشق. ومن خلال هذا الدعم، أظهرت الهند أن الصداقة الحقيقية لا تقاس بالكلمات، بل بالأفعال. إن المساعدات الإنسانية التي تقدّمها الهند لسوريا، والتي تجسدت في إرسال أدوية مضادة للسرطان مؤخرا، تؤكد بقوة دورها كلاعب عالمي يعتمد المسار الإنساني في سوريا.
*باحث مستقل في الأمن القومي والسياسة الخارجية للهند