مايا خوري – خاص |
في ظل تصاعد التوترات الإقليمية والدولية، يبرز الردّ الإيراني كعامل حاسم في تحديد مسار الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، حيث باتت تحركات إيران وردود أفعالها محط أنظار العالم المنتظر للرد الايراني على اغتيال الشهيد إسماعيل هنية في طهران. منهم من ينتظر الرد ليشفي غليله، ومنهم من ينتظره انتظار المجرم لقرار القاضي: الإعدام أو البراءة!
إن عملية “الوعد الصادق” الذي نفذته طهران ضد تل أبيب في 13 نيسان 2024، أي بعد حوالى “أسبوعين” على قصف القنصليّة الإيرانيّة في دمشق، التي ورغم كبر حجمها من ناحية المسيّرات والصواريخ، إلا أن البعض – منتظري البراءة اليوم – حاول تسخيف الرد، آنذاك، الذي أثبت أن إيران استطاعت من خلال موجة القصف من دفع المنظومات الغربية والإقليمية والإسرائيلية إلى العمل دفعة واحدة لمواجهة الرد الإيراني، فانكشفت “أماكن تموضعها” وإمكانياتها القصوى وطرق عملها مما شكّل “كنزًا استخباراتيًا” هامًا للجمهورية الإسلامية في إيران.
حينها، وللتذكير، استخدمت إيران بعضًا من أسلحتها المعروفة، ولم تستخدم أسلحة من تلك التي “تُحدث فارقًا في المواجهة”، مما يجعلها تحتفظ بأوراق قوة، لا تُبقي لإسرائيل سوى اللجوء للمنجّمين لطمنأتها، وفي حال العكس، لإسرائيل أن تتيقّن أن أي عدوان على إيران لن يكون حدثًا استثنائيًا بقدر “استثنائية الرد”. فعملية “الوعد الصادق” أسقطت كل الفرضيات الخارجية والمحلية عن ارتداع إيران وثبّتت قدرتها الفائقة على الردع والهجوم في الوقت والأماكن والأساليب التي ترتئيها القيادة الإيرانية بحكمتها وحنكتها وخبرتها.
لماذا تستحضرني الآن عملية “الوعد الصادق”؟ لأقول إن المسيّرات والصواريخ التي أطلقتها إيران آنذاك، والتي تمكنت من الانطلاق ضمن تكتيكات تضليلية متجاوزة 5 خطوط دفاع أميركية وبريطانية وفرنسية وعربية وإسرائيلية، “وصل منها أعداد معينة إلى أهدافها المرجوة، منها ما أصاب هدفه ومنها ما زاد وزاد من “بنك أهداف إيران في إسرائيل”.
ومنذ ذلك الحين، اتخذت القيادة الإيرانية قرارات جاهزة للتطبيق ردًا على أي عدوان، تتجاوز المعايير والمؤشرات التقليدية في احتساب النتائج إلى إكمال عملية بناء المرحلة الجديدة التي بدأت مع “طوفان الأقصى”. طبعًا، هنا لا مجال لمفردات الربح والخسارة باعتبار أن ما ستقوم به إيران هو ربح صافٍ مقابل خسائر صافية لإسرائيل وحلفائها، لأن ما كسرته إيران في عملية “الوعد الصادق” هو “نظام دولي إقليمي” بمعادلات احتاجت واشنطن والدول الغربية إلى عقود من الصراعات والإنفاق والحروب والأثمان الباهظة لبنائها، وها هو يتعرض الآن لاختلال كبير لن تسمح إيران بإعادة ترميمه. كما وحرصت الأخيرة، في عملية “الوعد الصادق”، على اختيار أهداف لها علاقة بالعدوان على القنصلية الإيرانية في دمشق لتثبيت مشروعية “الرد المتناسب”، وكان الرد كبيرًا من حيث الحجم، أما عندما يحاول المجرم، من خلال اغتيال “ضيف عزيز” في إيران، أن يقول لكل فصائل المقاومة إن إيران لم تعد ملاذًا آمنًا لكم، مغتالين بذلك إنجازات الشهيد قاسم سليماني في فلسطين فهذا، “والله أعلم”، يستوجب ردًا لا كبيرًا بل “موجعًا .. حدّ تمني الموت عوضًا عن الشفاء البطيء.
فانتظروا! مَن ينتظر “أسبوعين” من التوتر والعصبية والاستنفار والهلع ليصله الرد “الكبير” على قصف “قنصلية”، عليه أن ينتظر أضعافًا ليستأنس بالرد “الموجع” على اغتيال ضيف عزيز.. فعندما يعلن الإمام الخامنئي قرارًا، يكون نافذًا وواقعًا وليس للمناورة… الرد الموجع آتٍ ليقول لهذا العدو إن الثأر لضيوفنا، “حتمً ويقينًا” سيمنع تعويم نتنياهو الغارق في دم أهل غزة. راقبوا خطابات الإمام الخامنئي من الآن وصاعدًا، فالجمهورية الإسلامية في إيران ليست معنية بأي ترهيب أو ترغيب أو مفاوضات أو اغراءات كالذي حصل ويحصل الآن لثنيها عن الرد،فهي، وبحسب مصادر مطّلعة، اقتربت من الانتهاء من تجهيز الأرض.. والجو.