مجزرة الفجر والدور الأميركي: إبادة جماعية تحت غطاء الشرعية الدولية

د. أكرم شمص | خاص الناشر

في فجر العاشر من أغسطس 2024، شهدت غزّة واحدة من أفظع المجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي. استهدفت طائرات الاحتلال مدرسة “التابعين” في حيّ الدرج وسط غزّة، حيث كان النازحون يؤدون صلاة الفجر، مما أدى إلى استشهاد أكثر من 100 فلسطيني وإصابة العشرات بجروح بليغة. هذه الجريمة، التي ارتُكبت بدم بارد، تأتي ضمن سلسلة من الجرائم الوحشية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة منذ بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية في أكتوبر 2023.

الدور الأميركي في التغطية على الإبادة الجماعية
في ظل هذه الأحداث المروعة، يبرز بشكل جلي دور الولايات المتحدة الأميركية في دعم آلة الحرب الإسرائيلية، ليس فقط من خلال الدعم العسكري والاقتصادي المستمر، بل أيضًا عبر توفير الغطاء السياسي والدبلوماسي الذي يسمح لـ”إسرائيل” بالاستمرار في تنفيذ جرائمها دون خوف من المساءلة الدولية.

المبادرة الأميركية – المصرية – القطرية التي سعت إلى وقف إطلاق النار في غزّة جاءت في سياق معقّد، حيث حاولت تلك الأطراف تحجيم رد الفعل الإيراني وحزب الله، وتجنب تصعيد إقليمي واسع. ومع ذلك، فإن إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على مواصلة مجازره وجرائمه لتحقيق أهدافه المعلنة أجهض هذه المبادرة، وكشف عن نية “إسرائيل” في مواصلة التصعيد دون الالتفات إلى التبعات الإنسانية الكارثية.

القانون الدولي ومجزرة الفجر: إبادة جماعية تحت أنظار العالم
وفقًا للقانون الدولي، تُعدّ مجزرة الفجر في مدرسة التابعين جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان. إن الاستهداف المتعمد للمدنيين العزل، وخاصة النازحين الذين لجأوا إلى المدارس كمراكز آمنة، هو انتهاك صارخ لاتفاقية جنيف الرابعة التي تحمي المدنيين في زمن الحرب. علاوة على ذلك، فإن استمرار استهداف البنية التحتية المدنية، بما في ذلك المدارس والمستشفيات، يُعَد جريمة حرب وجريمة ضدّ الإنسانية.

ورغم ذلك، تواصل الولايات المتحدة، التي تدعي حماية حقوق الإنسان والدفاع عن الديمقراطية، دعمها غير المشروط لـ”إسرائيل”. وإن استخدام الولايات المتحدة لحق النقض (الفيتو) ضدّ قرارات مجلس الأمن التي تدعو إلى وقف إطلاق النار في غزّة يعكس ازدواجية المعايير في سياستها الخارجية، ويضع مصداقيتها على المحك أمام المجتمع الدولي.

الأزمة الإنسانية والدور الأخلاقي المفقود
الأزمة الإنسانية في غزّة بلغت مستويات غير مسبوقة. تدمير البنية التحتية الحيوية، تشريد أكثر من مليوني فلسطيني، وقطع الإمدادات الأساسية من غذاء ودواء ومياه، كلّ ذلك يُظهر أن الهدف الاستراتيجي لـ”إسرائيل” هو جعل الحياة في غزّة غير قابلة للعيش. هذا الوضع يتطلب تدخلًا دوليًا عاجلًا، ليس فقط لتقديم المساعدات الإنسانية، ولكن أيضًا لمحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم أمام محاكم دولية.

نظرة إلى الوراء على الإرهاب الصهيوني الذي أدى إلى إنشاء “إسرائيل”
في الأربعينيات من القرن الماضي، استخدمت الجماعات الصهيونية مثل “الهاغاناه” و”الأرغون” و”ليحي” الإرهاب بشكل ناشط ضدّ العرب الفلسطينيين وأحيانًا ضد البريطانيين بهدف زعزعة استقرار المنطقة ودفع بريطانيا إلى الانسحاب من فلسطين، مما مهد الطريق لإنشاء ما يسمى دولة “إسرائيل”. هذه العمليات تضمنت هجمات إرهابية استهدفت المدنيين، مثل مذبحة دير ياسين في إبريل 1948، التي هدفت إلى بث الرعب بين الفلسطينيين وإجبارهم على مغادرة أراضيهم، مما أدى إلى تهجير مئات الآلاف منهم في ما يعرف اليوم بالنكبة.

لا تزال آثار هذه الأحداث مستمرة حتّى اليوم مع استمرار سياسات المجازر والإبادة الجماعية في غزّة وسياسات الاستيطان الصهيونية في الضفّة الغربية وطرد الفلسطينيين من أراضيهم. وعلى الرغم من الإدانات الدولية الخجولة، تواصل “إسرائيل” هذه السياسات بدعم من قوى غربية ومباركة أميركية، مما يعيد إلى الأذهان التاريخ الدموي للإرهاب الصهيوني الذي ساهم في إنشاء الدولة اللقيطة “إسرائيل”، ويضع المسؤولية الأخلاقية والقانونية على عاتق المجتمع الدولي في التصدي لهذه الممارسات المستمرة.

الخاتمة: الدعوة إلى موقف دولي حازم
مجزرة الفجر ليست مجرد حادثة معزولة، بل هي جزء من سياسة ممنهجة للإبادة الجماعية ضدّ الشعب الفلسطيني. والولايات المتحدة، التي تُعد شريكًا أساسيًا لـ”إسرائيل” في هذه الجرائم، تتحمل مسؤولية أخلاقية وقانونية عن كلّ ما يحدث في غزّة. وإن استمرار الصمت الدولي، والتراخي في اتّخاذ إجراءات حاسمة لوقف هذه الجرائم، يعني التواطؤ في إبادة جماعية تحدث أمام أنظار العالم.

على المجتمع الدولي أن يتحرك بسرعة وبشكل حاسم، ليس فقط لوقف العدوان على غزّة، ولكن أيضًا لمحاسبة الجناة وتقديمهم للعدالة. ولا يمكن أن يستمر هذا الوضع دون أن تكون له عواقب وخيمة على السلم والأمن الدوليين، وعلى مصداقية المؤسسات الدولية التي أنشئت لحماية حقوق الإنسان والدفاع عن العدالة.

اساسيغزة