اغتيال القادة بين السياسة والعقيدة الصهيونيتين

د. أكرم شمص | خاص الناشر

في خضم التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط، تلعب سياسة اغتيال القادة دورًا محوريًا في الصراعات الدائرة بين الكيان الصهيوني وقوى المقاومة. وتُعتبر هذه السياسة جزءًا من العقيدة الصهيونية المستمدة من النصوص الدينية اليهودية، والتي تدعو إلى القضاء على الأعداء كوسيلة لتحقيق الأمن والسيطرة. في هذا المقال، سنستعرض الردود المتوقعة على سياسة الاغتيال هذه، مستعرضين في الوقت ذاته الأسس الدينية اليهودية التي تدعم هذا النهج.

الردود المتوقعة على اغتيال القادة
تمثل اغتيالات القادة في حركات المقاومة الفلسطينية وحزب الله تحديًا كبيرًا لهذه الحركات، حيث تُعتبر محاولات لشل حركتها وتأثيرها على الساحة الدولية. ومع ذلك، نجد أن هذه الاغتيالات لم تثنِ هذه الحركات عن مواصلة نضالها، بل على العكس، غالبًا ما تتسبب في بروز قادة جدد يتمتعون بروح قتالية أقوى وتصميم أكبر على مواصلة المقاومة. الردود على هذه الاغتيالات تكون عادة متعددة الأوجه وتشمل تكثيف العمليات العسكرية، وزيادة التنسيق بين فصائل المقاومة، وتعزيز التحالفات الإقليمية. كما تلجأ المقاومة إلى استخدام الحرب النفسية من خلال إظهار قوتها واستعدادها للتصدي لأي عدوان، ما يبعث برسالة واضحة للكيان الصهيوني مفادها أن سياسة الاغتيال لن تحقق أهدافها المرجوة. ولكن في حالتي استشهاد القائدين الجهاديين الكبيرين الشهيد إسماعيل هنية (أبو العبد) والسيد فؤاد شكر (السيد محسن) تبدلت قواعد اللعبة؛ فالرد هذه المرة سيكون قويًّا ومزلزلًا من محور المقاومة مجتمعًا أو فرادى، لأن العدوّ الصهيوني قد تجاوز الخطوط الحمر في عملية الاغتيال.

اغتيال القادة في الفكر اليهودي
يستند الفكر اليهودي الصهيوني إلى نصوص دينية مثل التلمود الذي يعدّ مرجعًا لتبرير سياسة اغتيال القادة. التلمود، وهو أحد أهم الكتب الدينية في اليهودية، يحتوي على نصوص تدعو إلى قتل “الأغيار” كجزء من الدفاع عن النفس وتحقيق الأهداف الدينية. على سبيل المثال، يُشير التلمود إلى مبدأ “إذا جاءك شخص ما ليقتلك، انهض واقتله أولًا”، ما يُعطي شرعية دينية لعمليات الاغتيال. وقد أشار الحاخام عفوديا يوسف، الزعيم الروحي لحركة شاس الصهيونية قبل وفاته، إلى أن “الرب يريد القضاء على العرب”، مما يعكس العداء الصريح تجاه غير اليهود. كما يُستخدم حكم “العماليق”، المذكور في التوراة، كتبرير للقتل الجماعي، حيث يُعتبر “العماليق” رمزًا لكل من يُعتبر تهديدًا للشعب اليهودي.

الدعم الأميركي لـ”إسرائيل” من خلال المسيحية الصهيونية
منذ اندلاع عملية “طوفان الأقصى”، شهدت الولايات المتحدة دعمًا غير مسبوق لـ”إسرائيل”، يتجاوز كلّ ما قدّمه الرؤساء السابقون، سواء كانوا جمهوريين أو ديمقراطيين. وقد عبّر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال زيارته لـ”إسرائيل” عن هذا الدعم بقوله: “الرسالة التي أحملها إلى “إسرائيل” هي: قد تكون قويًا بما يكفي للدفاع عن نفسك، ولكن ما دامت أميركا موجودة، فلن تضطر أبدًا إلى ذلك، سنكون دائمًا بجانبك”.

لا يمكن فهم هذا الدعم من دون العودة إلى العامل الديني الذي يُعتبر حجر الأساس في مصادر الدعم لـ”إسرائيل” داخل الولايات المتحدة. فجماعات المسيحيين اليمينيين “البروتستانت الانجيليين” في أميركا تدفع نحو تعزيز سيطرة “إسرائيل” الكاملة على كلّ أرض فلسطين، إيمانًا منهم بأن هذا يُسرّع عودة المسيح الثانية.

الباحث والتر راسییل میید من معهد هادسون يقول إن “التأييد الأميركي البروتستانتي لليهود و”إسرائيل” وُجد قبل أن يطأ اليهود الدولة الأميركية الناشئة، وقبل أن تتأسس دولة إسرائيل”. تعود جذور هذه العقيدة إلى العقيدة البروتستانتية الأصولية التي حاول المهاجرون الأوروبيون تطبيقها في مجتمعاتهم الأوروبية ولم ينجحوا. تأثرت العقيدة البروتستانتية باليهودية، مما خلق علاقة تحالفية بين الصهيونية اليهودية والبروتستانتية الأصولية، حيث يرى الأصوليون البروتستانتيون أن دعم “إسرائيل” واجب ديني.

الأبعاد السياسية لسياسة الاغتيال
بعيدًا عن البُعد الديني، تُعتبر سياسة اغتيال القادة جزءًا من استراتيجية أكبر للسيطرة وفرض النفوذ في المنطقة. تسعى “إسرائيل” من خلال هذه الاغتيالات إلى زعزعة استقرار حركات المقاومة وخلق حالة من الفوضى تسهم في تعزيز موقفها التفاوضي وتحقيق أهدافها السياسية. هذه الاغتيالات تهدف أيضًا إلى إضعاف التحالفات الإقليمية للمقاومة، وتجعل من الصعب على القوى المناهضة لـ”إسرائيل” العمل بتناغم. رغم ذلك، فإن الردود القوية من قبل المقاومة تشير إلى أن هذه السياسة قد تؤدي إلى نتائج عكسية، حيث تُسهم في توحيد صفوف المقاومة وتعزيز تصميمها على مقاومة الاحتلال.

الفشل الاستراتيجي لسياسة الاغتيال
رغم النجاحات التكتيكية التي تحققها سياسة اغتيال القادة، إلا أنها تواجه انتقادات واسعة لفشلها الاستراتيجي في تحقيق الأهداف المعلنة. فالاغتيالات غالبًا ما تؤدي إلى ظهور قادة جدد أكثر تصميمًا على المواجهة، كما تُسهم في زيادة العداء تجاه “إسرائيل” وتوحيد القوى المناهضة لها. مثالًا على ذلك، لم تؤدِ اغتيالات قادة مثل السيد عباس الموسوي ويحيى عياش إلى إضعاف حركات المقاومة، بل أدت إلى تعزيز مكانتها وزيادة شعبيتها. ويشير المحلل “الإسرائيلي” رونين بيرغمان في كتابه “انهض واقتل أولًا: التاريخ السري للاغتيالات المستهدفة في “إسرائيل”” إلى أن هذه السياسة لم تحقق النتائج المرجوة، بل أدت إلى زيادة التطرّف وتعزيز روح المقاومة.

الخاتمة
في الختام، تُعتبر سياسة اغتيال القادة جزءًا من استراتيجية طويلة الأمد للكيان الصهيوني تهدف إلى تحقيق السيطرة والنفوذ في المنطقة. ومع ذلك، فإن الردود الحاسمة من قبل قوى المقاومة تُظهر أن هذه السياسة لن تحقق أهدافها دون ثمن باهظ. كما أن التمسك بالعقائد الدينية المحرفة لتبرير القتل والاغتيال يعكس مدى عمق الأزمة الأخلاقية التي يواجهها هذا الكيان. وفي النهاية، تظل المقاومة مستمرة في نضالها، مدعومة بروح الصمود والعزيمة التي لا تنكسر أمام التهديدات والاغتيالات.

اساسي