التفوق الجنوبي مستمر على الرغم من العدوان والنزوح


الأمر ليس بجديد والخبر اليوم ليس مستهجنًا، أن يتفوق طلاب الجنوب في الامتحانات الرسمية اللبنانية على اختلافها وأن يحصدوا المراتب الأولى فيها. الفارق الجوهري بين هذا العام وأسلافه من أعوام سبقت، لم يكن على صعيد النتائج، بل على مستوى الظروف المحيطة بالعام الدراسي ككل منذ بدايته لغاية اللحظة النهائية من امتحاناته، والتي كانت الأصعب والأقسى على هؤلاء الطلاب منذ سنوات، لا سيما طلاب القرى الأمامية التي تتعرض للقصف والترهيب الصهيوني بشكل شبه يومي.

قيل يومًا إن النجاح يولد من رحم المعاناة، لكن ولادته هذه لا يمكن أن تكون دون إرادة صلبة وصبر عظيم، وهذا ما جسّده واقعًا طلاب الجنوب في رحلتهم لنيل الشهادة العلمية، بعدما منحتهم الحياة شهادةً في الصبر والمثابرة. الإرادة الهادرة من بين ركام البيوت المهدّمة كانت المحرّك الأول للاستمرار وتخطّي مطبّات اليأس الممزوج بالقهر، الأنقاض المتهالكة فوق بقايا الكتب لم تدفع أصحابها للتخلّي عن أحلامهم وآمالهم، بل أيقظت في نفوسهم مشهدًا جديدًا للتحدّي لم يألفوه من قبل.

كفركلا
من أحياء بلدة كفر كلا الجنوبية حيث بوابة الجنوب إلى أرض فلسطين المحتلة، جاءت كلّ من الطالبتين رباب فارس ومريم شيت، اللتين نزحتا من بلدتهما الأبية تحت وطأة الحرب، لكن وإن كانت قذائف العدوّ وغاراته قد دفعتهما للنزوح عن منزليهما، إلا أنها لم تنجح في كسر إرادة العلم فيهما. عشرة أشهر من الدرس والكفاح والصبر في ظروف النزوح القسرية عن بيتيهما، خوّلتهما إحراز المراتب الأولى في امتحانات الامتياز الفني، رباب فارس في اختصاص “التربية المختصة”، ومريم شيت في اختصاص”الرقابة الصحية وسلامة الغذاء”.

رباب ومريم تألّقتا رغم ظروف النزوح والتنقل الصعبة، ورغم تعرض منزليهما للدمار الشامل بالغارات الصهيونية، إلا أن ذلك ضاعف عزيمتهما وإيمانهما بأن عظمة تحقيق الأحلام في الحرب، لا يضاهيها أي إنجازٍ آخر.

حولا
من كفر كلا إلى جارتها حولا، القرية التي خرّجت أجيالًا من الأبناء المتعلمين المنتشرين في دول عديدة، دكاترة ومهندسين وحملة إجازات جامعية مختلفة، ها هي تقدّم اليوم نموذجًا جديدًا من التفوق العلمي والأكاديمي على مستوى الوطن بأكمله. ابنة البلدة الطالبة حنان عباس حمدان أحرزت المرتبة الأولى على لبنان أيضًا في شهادة الامتياز الفني وتحديدًا في اختصاص الرقابة الصحية وسلامة الغذاء، لترسم مشهدًا جديدًا من الفخر لقريتها الصامدة التي تواجه وحشية العدوان وإجرامه منذ أيام الحرب الأولى.

عيتا الشعب
لطالما قدمت “إم العزّ” والصمود، بلدة عيتا الشعب، الكثير الكثير في سبيل هذا الوطن. البلدة التي افتدى أهلها أبناء الوطن في حرب تموز 2006، تعيد اليوم مشهد المجد والعز إلى الأذهان، بعدما وقفت مجددًا شامخة عنيدة في وجه هذا العدو. أم العز رفعت جبين الجنوب مجددًا، ليس فقط في أرض المعركة، بل في ساحة العلم أيضًا. ابنة البلدة الطالبة نور جهاد جواد نالت المرتبة الأولى في شهادة الامتياز الفني على صعيد لبنان، في اختصاص علوم مختبرات الأسنان، لتعود بذلك وتؤكد المؤكد، وهو أن طلاب الجنوب هم أبناء أرضهم العصيّة على الانكسار والاستسلام.

كفرمتى
من الامتحانات المهنية، إلى الامتحانات الثانوية الرسمية، حيث اكتمل اليوم مشهد التفوق الجنوبي، وهذه المرة مع ابنة بلدة كفرمتى، الطالبة فاطمة قاسم حمية التي حصدت المرتبة الأولى على صعيد لبنان في اختصاص علوم الحياة، والطالب علي ياسين طالب ابن ثانوية الشهيد بلال فحص والذي حصد المرتبة الأولى في اختصاص العلوم العامة، وغيرهما من الأسماء الجنوبية المشرّفة التي حصدت مراتب مختلفة في الاختصاصات كافة، ليثبتوا بذلك حقًا أن “الختام مسك”.

تفوّق طلاب الجنوب رغم أنف العدوّ وتحت أنظار الصديق، سطّروا نصرًا جديدًا يضاف للائحة النصر المشرّف التي صنعها أبناء الجنوب منذ النشأة الأولى، وحملوا بذلك رسالةً للعدو والأمة أيضًا فيها دلالات عظيمة، للعدو؛ لا ترهبنا طائراتك ولا مدافعك ولا تحطّ من عزيمتنا، وللصديق عربون شكر وعزّ وعهد دائم لا ينقطع، أن أبناء الجنوب لم ولن يتردّدوا في صون مجد الأمة وكرامتها مهما تعاظمت التضحيات واشتدت التحديات.


اساسي